الديمقراطية في الجزائر: هل تُحدّدها الانتخابات؟
28/10/2019 القراءات: 4664
الانتخابات أوّل خطوات الدمقرطة، هذا ما تقوله المراجع العلمية لكن للشعب الجزائري رأي آخر: فـكيف ذلك؟ المتتبّع للشأن الفيسبوكي يُبصر مدى اهتمام البعض بما آلت إليه الانتخابات التونسية والتي تجسدت بنجاح حينما فاز الرئيس قيس سعيد بأصوات الشعب، أو فيما وصفوه أيضا بالقفزة النوعية في تجربة تونس للتحول إلى الديمقراطية من خلال المناظرات التي تمت بين الشخصيات المرشحة للرئاسة، وتمنى الكثير أن تحظى الجزائر بمثل هذه الالتفاتة لأنّ المرحلة الانتقالية حرجة خاصة في ظل عدم تجاوب النظام الجزائري لمطالب الشعب. ونجد رأياً آخر يتمسك برفضه للانتخابات أو أية حلول أخرى وصفوها ب: "سياسة الإلهاء"، فالشعب الذي خرج للحراك منذ 22 فيفري الفارط وإلى اليوم لا يُريد أية مبادرات من النظام القديم، بل يُريد تغييرات جذرية تفتح المجال لمختلف الشباب والفئات الأخرى المهمشة للمشاركة السياسية الفعّالة. تضارب الآراء هذا لن يقف عائقا أمام ما أعلنه الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح حول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتي ستجري يوم 12 ديسمبر المُقبل، بل نتائجها هي من ستفتح الآفاق لتطورات أخرى قد تقود لمرحلة جديدة من التغيير أو إلى جولة أخرى من الاستبداد التي ستعرف يا إمّا عزوفًا شعبيا عن صناديق الاقتراع أو تزويرًا من طرف السلطة، ما يُغلق الباب أمام الانتخابات الحرة النزيهة التي تُعتبر بوابة المرحلة الثانية من مراحل التحول الديمقراطي والمتمثلة في إقامة النظام الديمقراطي. حسنًا الديمقراطية تقوم على مبادئ معينة لكنها ليست قانونا مفروضاً على جميع المجتمعات، فهاته الأخيرة هي من تُحدّد ما يتماشى وطبيعتها أو بيئتها المحيطة، لكن لو نرجع لتجربة الجزائر سنجد الكثير من المعيقات، والتي تتجسد في مجملها في: "انعدام الثقة الشعبية بالسلطة الحاكمة"، حتى أن من يُساند قرار معين يتراجع عنه سريعاً، يندم على منح ثقته قائلاً: "منحناهم فُرصاً كثيرة لكنهم قادوا البلاد إلى الهاوية، والدليل على ذلك هو الاقتصاد الضعيف، التراجع الكارثي لقيمة العملة في الأسواق، تزايد نسبة الفقر والبطالة، وغيرها من الأسباب التي ستدفع بالشعب الجزائري للعزوف عن هذه الانتخابات". الجزائر مقبلة على أيام حرجة ستكشف الغطاء عن الكثير من الحقائق المخفيّة، سيقول الكثير بأنّ الأوراق قد تبعثرت وما من سرٍّ الآن... لا بل لم يُكشف أيُّ شيء بعد والدليل على ذلك انقسام صفوف الشعب والديمقراطية في هذه الحالة عسيرة جداً، صحيح أنّ الوحدة المجتمعية صعبة، لكنها ضرورة لإحداث التغيير، لأنّ الرئيس الذي سيتم اختياره بالنهاية يُعتبر فردا من أفراد المجتمع نشأ في ذات البيئة، أي أنّه مُتشبّع بذات القيم والثقافة، أي أنّ أفكارنا هي من تقودنا وما النظام إلاّ صورة عن النمط العام السائد. المفاهيم مُتداخلة والحل ليس في الانتخابات، كما ليس في اسقاط النظام واحداث تغييرات جذرية، كل هذا لن ينفع مادام الفرد منّا يُفكّر بأنانية، مصلحته فوق الجميع، ماذا سننتظر من أشخاص يُمارسون كل أنواع الاستبداد فيما بينهم سواء داخل الإدارات، أو الجامعات ومختلف المؤسسات، هذا يُبرهن على أننا نحتاج أن نُغيّر من أنفسنا، والأيام القادمة ستُفسٍّر لنا الكثير، أي أنّنا في فترة تحكيم العقل والحل ليس في الانتخابات فقط بل في ثقافتنا نحن أفراد الشعب. المؤيدون والمعارضون حالة طبيعية تنمو داخل المجتمع أثناء سيرورة التغيير، هذا الأمر سيستمر على مدى النظام الجديد لأنّه بمثابة الدافع للسلطة من أجل إحداث إصلاحات وتعديلات دورية تخدم مصالح الدولة والشعب، لكن التشدّد والتمسك بالرأي وعدم القبول بالحوار معضلة تتسبب في توليد الاحتقان ومضاعفة التمرّد على كل الأمور الصغيرة والكبيرة، والحراك الذي لا يضع ممثلين له قد يتقدّم لكن بخطى قصيرة جدا تأخذ وقتا طويلا، والتمثيل مكروه من طرف الكثيرين، لا لوم على الأفراد الذي فقدوا ثقتهم لكن اللوم على النُخب التي تستغل أصواتاً بريئة من أجل تمرير مصالحها، وحتى لا نقع في الجدال فالتمثيل ليس حلا جذريا بل مجرّد اقتراح أو بديل، أي أنّنا بحاجة إلى النخب المجتمعية المثقفة، بحاجة إلى أصحاب الضمير كي يقفوا على المنبر ويُحدثونا بطريقة حضارية، بحاجة لمن يشرح لنا أين نحن وإلى أين سنذهب؟.
الديمقراطية، الجزائر، الانتخابات، المجتمع، القانون، النظام، السلطة، المصالح، الشعب، الدولة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة