الهزائم التاريخية وتحولات نظم التعليم القومية
د/ احمد صلاح الدين ابوالحسن | Dr Ahmed Salah Aldin Abo ALhassan
26/10/2021 القراءات: 3314
التاريخ يحدثنا على ان الحروب النابليونية هو مصطلح يستخدم في تعريف سلسلة الحروب التي وقعت في أوروبا خلال فترة حكم نابليون بونابرت لفرنسا. عندما هزم نابليون بونابرت الألمان فى بداية القرن التاسع عشر سادت مشاعر اليأس بينهم، فوجه الفيلسوف الألماني (فيخته) خطاباً إلى الأمة الألمانية بيَن فيه أن الهزيمة كانت تربوية قبل أن تكون عسكرية، وأن الخلاص يكمن فى استبدال النظام التعليمي الألماني بتربية جديدة تنبذ التدريب الميكانيكي للذاكرة وأساليب الحفظ والتلقين وتدفع الطالب الألماني إلى التفكير، من خلال بتبني أهداف تربوية عليا جديدة تضع المواطن الألماني إلى مرتبة الإنسان الكامل ، وتتوقف عن دفع الطالب إلى التفكير في ماضيه.
وقد استجاب الألمان لخطاب فيلسوفهم، واستبدلوا نظامهم التربوي بآخر، قائم على أولوية العقل، وتبنى الأخلاق المنضبطة مما ساعد ألمانيا على تجاوز أزمتها ، وأصبح للجامعات الألمانية الآن تأثير متبادل عال لنقل وتحويل أفكار الأبحاث لمخرجات إنتاجية، وحدوث تقدم اقتصادي في المجتمع الألماني.
وامتدادا لطموح نابليون من خلال حملته على مصر والشام (1798-1801م) بهدف منع إنجلترا من القدرة على الوصول للهند، ورغم استمرار الحملة الفرنسية على مصر ثلاث سنوات، تمكن خلالها نابليون بونابرت من ترسيخ صورته كقائد عسكري بارع، و حققت بالفعل العديد من النجاحات السياسية والعسكرية بالنسبة لفرنسا، إلا أن حكم مصر لم يكن أبدا سهلا بالنسبة للفرنسيين، فقد واجهوا طوال فترة وجودهم في مصر العديد من التحديات والثورات والقلاقل ، وادت تلك الحملة الى تغيرات عميقة
في روتين الحياة السائدة بعد فترة طويلة من الركود الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومكنتهم من التعرف على الحضارة الغربية من خلال تأسيس المعهد المصري بأقسامه الأربعة (الرياضيات – الطبيعيات – الاقتصادي السياسي – الأدب والفن) في 1798. الذى كان صورة مصغرة لمجامع العلوم الأوروبية، تراس ادارته العالم الفرنسي مونج، واضع أسس الهندسة الوصفية ومؤسس معهد البوليتكنيك في باريس ، والرياضي الشهير لافوربيه أمينا للمعهد ، وقد عمل في المعهد المذكور أكثر من 48 عالما طبقت شهرتهم الآفاق في أوروبا والعالم قاطبة، ، واثرت الحملة بشكل كبير وأساسي في إيقاظ القومية المصرية واكتشف فيها المصريون الهوة بين الواقع في مصر خصوصا والعالم العربي عموما والتقدم العلمي والتقنية الغربي، مما جعلهم يبحثون عن وسائل لنقل التقنية وتعريب العلوم.
وعندما اكتسح هتلر فرنسا (1940)، بحث الفرنسيون في عوامل هزيمتهم وعزوها إلى ضعف نظامهم التربوي وخاصة نظام التعليم الثانوي. وشكلت الحكومة لجنة للإصلاح التربوي والتعليمي، واعترف التقرير صراحة بأّن الهزيمة والنظام ما كانا ليحل بالأمة الفرنسية لولا ضعف كفاءة واعداد القادة ، وأخطاء القادة في البحرية والجيش والصناعة والاقتصاد .
وأوصت اللجنة التي كانت برئاسة عالم الكيمياء الشهير (بول لانجفان) وضمت عدداً من المفكرين الفرنسيين في تخصصات مختلفة بما يلى :
مد فترة التعليم الإلزامي إلى 18سنة.
إبدال طرق التعليم القديمة بأخرى جديدة.
احترام فردية التعليم.
إدخال التعليم الفني للمناهج الثانوية.
تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية بين الجميع.
إدخال الثقافة العامة لتظهر كل العلوم فى خدمة الوطن.
وهكذا انطلقت فرنسا من جديد، حيث أصبح التعليم في فرنسا يدعو إلى قيم الديمقراطية، وترسيخ بعض القيم الأخرى فى المجتمع، كما اقتصر التعليم في فرنسا في فترات طويلة على تعليم الصفوة.
اما اليابان وبعد الضربة الذذرية الماحقة فى 1945، واستطاعت النهوض مرة اخرىحيث استقدموا الخبراء الألمان لبناء جيش حديث مدرب، والاستعانة بالبريطانيين لتأسيس الأسطول الحربي الياباني، فكانت اليابان تقعد على مقاعد التلاميذ وتصغى بانتباه لما تتعلمه.
وعند احست الولايات المتحدة الأمريكية بالسبق الروسي فى علوم الفضاء (سفينة الروس سبوتنك) عكف العلماء الأمريكان على مراجعة النظام التعليمي الأمريكي ، فكان تقرير الثمانينيات ( أمة فى خطر) لحث الأمريكان على التركيز على الرياضيات واللغات الأجنبية.
اما معجزة القرن هي بحق رواندا أرض المأساة والمعجزة، حيث مليون قتيل في حرب أهلية همجية 1994طفت فيها جبالٌ من جثت الرجال والنساء والأطفال فوق مياه الأنهار والبحيرات وغاب فى رواند كل شيء سوى القتل الذي غذّته نزعة الحقد الطائفي على امتداد البلاد.
والمعجزة ان يكون التعليم هو نقطة البداية لاستعادة الوطن، فكانت دروس التآخي في المدارس. والمصالحة بين الطرفين والعفو العام، ثم الانطلاق في رحلة التنمية عبر خطة 2020 فحققت رواندا أعلى نسبة تنمية حيث بلغت 12.2 في المائة، وانتشر التعليم بمستوى غير مسبوق، وتجاوزت المرأة ثلث أعضاء البرلمان، باعتبارها الأقدر على بثّ روح المصالحة والتسامح في المجتمع، الدرع التي تقاوم العنف وتنتج جيل الحياة وفرحتها بالتعايش والتسامح.
نظم التعليم - الهزائم - المجمع المصرى - امة فى خطر - رواند المعجزة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
من النظام التربوي تأتي الهزائم والانتصارات
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة