السلط الادارية المستقلة : طبيعتها وحدودها
نصري شلبي - الجمهورية التونسية | NASRI CHELBI - TUNISIA
07/11/2021 القراءات: 3437
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الإدارة علما قائم الذات، لذلك تعددت مفاهيمها ومبادئ تنظيمها وأساليب تسييرها. وباعتبار أن الإدارة علم ينمو ويتطور بتطور المجتمعات والشعوب، كان لزاما على القوانين التي تنظم سير أعمالها، أن تواكب هذه التحولات التي شهدتها مختلف ميادين الحياة. ونظرا إلى ضبابية النصوص القانونية التي بقيت محافظة على صيغتها الأولوية ظهرت عدة تناقضات بين المجالين التشريعي والتنفيذي. ونظرا للفراغات القانونية التي فرضتها العولمة وما تبعها من تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية وكذلك سياسية، ظهرت سلط جديدة تسمى بالسلط الإدارية المستقلة لتعيد تنظيم الإخلالات التي ظهرت، وتحسن تسيير الهياكل الإدارية والقضائية التي اتسمت قراراتها بالضبابية وعدم الفاعلية. وقد ظهرت هذه السلط في تونس في شكل هيئات ومجالس، مختصة في مجالات معينة وتتكون من قضاة ومهنيين. ما يميز هذه السلط المستقلة هو طبيعتها المزدوجة، قضائية و استشارية فهي تتخذ قرارات تكتسي طابع قضائي، فضلا عن دورها الاستشاري المتمثل في الإجابة عن الاستفسارات المقدمة إليها من قبل المؤهلين لذلك. والمتأمل في تركيبة هذه السلط وطرق تعيينها وكذلك عدم توفر الحماية من العزل لأعضائها، يلاحظ حدود إستقلالية هذه السلط الإدارية. فما هي طبيعة هذه السلط؟ وما هي حدودها؟ I - طبيعة السلط الإدارية المستقلة : لم يحدد المشرع التونسي الطبيعة القانونية للسلط المستقلة لكن يبدو وأن البعض منها، تغلب عليه الصبغة القضائية في حين أن البعض الآخر تطغى عليه الصبغة المزدوجة أي الإدارية والقضائية في نفس الوقت. 1- الطبيعة القضائية : حسب الفقيهR. Chapus هناك شرطين أساسيين بالتقائهما تنتفي الطبيعة القضائية للسلط المستقلة: - نفوذ القرار Pouvoir de décision - السلطة الجماعية (Collégiale) أي في صيغة مجالس أو هيئات وتجدر الإشارة هنا إلى التساؤل عن المقاييس الخاصة بالسلطة القضائية لإثبات طبيعتها؟ لتحديد هذه المقاييس، هناك تيارين من الفقهاء، حدد كل منهما المقياس القضائي لهذه السلط: · يرى الفقيه Malberg أن المقياس الشكلي هو المحدد لهذه الطبيعة. · في حين يرى الفقيهDuguis أن المقياس المادي هو المحدد للطبيعة القضائية للسلط المستقلة. أ- المقياس الشكلي: يمكن أن نتبين المعيار الشكلي من خلال تركيبة السلط المستقلة، حيث تتركب من قضاة، وكلما كان عدد القضاة كبيرا في التركيبة، كان وصفها بالقضائية مبررا، وهو ما ذهب إليه الأستاذ عياض بن عاشور في كتابه "القضاء الإداري وفقه المرافعات الإدارية" في الطبعة الثانية سنة 1998 ص 214 حيث يقول " بقدر ما يقترب الهيكل من تركيب المحاكم وصفة القضاة، بقدر ما يقوى الدليل على أنه قضائي وهو حال التشكيلات المتألفة كلا أو جزءا من قضاة محترفين...". كما أن الإجراءات المتبعة للإدعاء لدى هذه السلط هي الإجراءات المتبعة عادة لدى المحاكم. ب- المقياس المادي: إن إصدار قرارات زجرية تضفي الصبغة القضائية على السلط المستقلة. 2-الطبيعة الإدارية والاستشارية: يمكن أن نتبين الخاصية الإدارية والاستشارية لبعض السلط المستقلة من خلال سلطاتها (pouvoirs)، ذلك أن المهمة الاستشارية، وسن القواعد والترخيص والرقابة، تؤكد هذه الخاصية. ويعتبر الأستاذ عياض بن عاشور في كتابه "القضاء الإداري وفقه المرافعات الإدارية" وتحديدا بالصفحتين 18 و19 أن هيئة السوق المالية أحسن مثال ينطبق على السلط الإدارية المستقلة بتونس. ذلك أن الطبيعة الإدارية لهذه الهيئة تتأتى من المهمات الإدارية الموكولة إليها بالأساس، فهي تسهر على حماية الإدخار المستثمر في الأوراق المالية والأدوات المالية القابلة للتداول بالبورصة، وتنظم كذلك أسواق الأوراق المالية والسهر على حسن سيرها، وذلك بمقتضى القانون عـ117ـدد لسنة 1994 المؤرخ في 14 نوفمبر 1994. II- حـدود السلط الإدارية المستقلة: 1- سلط ؟ يبدو للوهلة الأولى أنها مؤسسات مختصة ولها سلطة اتخاذ القرار. لكن بعض المؤسسات التي وصفها فقه القضاء أو القانون بـ"السلطة"، ليس لها من نفوذ سوى التوصية أو الاقتراح أو الإعلام وهي لا تستطيع إلزام آراءها على السلطة التنفيذية. معنى السلطة هنا هو تحمل المسؤولية في إطار منظومة إدارية وممارسة تأثير على الرأي العام. يضاف لذلك، أن مجال تدخل السلط الإدارية المستقلة هو محدود ويشمل اختصاصها فقط، فكيف لنا أن نصفها بـ"سلطة" !؟ 2- مستقلة ؟ هي أكبر تعلّة لوجود هذا الصنف من المؤسسات. ما هي الخصائص التي تمكننا من معرفة الاستقلالية؟ ربما تسمية الأشخاص الذين يكونون تركيبة هذه المؤسسات بأمـر؟ لكن مهما كانت طريقة التسمية، فإن تدخل السلطة السياسية لا يغيب أبدا. · تكون تسمية الموفق الإداري من قبل رئيس الدولة وهو فعلا سلطة مستقلة. · تشهد السلط الإدارية المستقلة انتخابات داخلية لكن كثيرا ما تكون مُسيَّسة (Politisée). يُراجع الصفحة 305 من مداخلة Pierre Nicolaÿ في مؤتمر 1987 حول السلط الإدارية المستقلة. 3- إدارية ؟ ما يجب أن يميز السلط الإدارية المستقلة عن باقي السلط الإدارية الحكومية (تفقديات وزارية...) هو عدم خضوعها لسلطة الإشراف؛ ذلك أن سبب وجودها هو: * عدم ثقة المواطن في السلطة السياسية وفي السلطة الإدارية. * ولضمان عدالة تدخلات الدولة (impartialité, équité)
#نصري_شلبي
سلط ادارية مستقلة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
المـراجع: · "التنظيم السياسي والإداري التونسي في جمهورية الغد" للكاتب سالم كرير المرزوقي- الطبعة الثامنة 2008. · Les autorités administratives indépendantes « Claude-Albert Golliard et Gérard timsit 1er édition – Juillet 1988 ». · Les autorités administratives indépendantes « Clefs politique » Michel Gentot- Edition 1991. · كتاب" القضاء الإداري وفقه المرافعات الإدارية" للأستاذ عياض بن عاشور · Mémoire DEA sur « les autorités de régulation en Tunisie » , Walid Helali – 2004.
شكرا جزيلا على تفاعلكم وتجاوز عدد القراء (50). بارك الله فيكم !
شكرا على تفاعلكم جميعا