احتجاجات إيران هل تقود إلى تغيير النظام؟؟
بشار أحمد نرش | Bashar Ahmad Narsh
26/11/2022 القراءات: 1467
مع استمرار الحركة الاحتجاجية في إيران واقترابها من إكمال شهرها الثاني على خلفية مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد قوات شرطة الأخلاق في سبتمبر/ أيلول الفائت، ومع اجماع طيف واسع من المحللين والكتاب على اختلاف هذه الاحتجاجات عن الاحتجاجات السابقة في أعوام 2009 و2017 و2019، سواءً في أسبابها وقياداتها وتكتيكاتها وكذلك في تركيبتها وشعاراتها، بدأت تثار العديد من التساؤلات حول مستقبل النظام الإيراني، ومدى قدرة هذه الاحتجاجات على تغيير هذا النظام وخلق نظام جديد مغاير.
طبعاً للإجابة عن هذه التساؤلات يمكن الوقوف بدايةً على ثلاث حقائق أساسية قد تقدّم صورة واضحة عن مآلات هذه الاحتجاجات وسيناريوهاتها وفقاً للمعطيات التاريخية.
الحقيقة الأولى والأهم تقول إنّ النظام الإيراني الحالي ما يزال يُمثّل حاجة دولية، ويمكن تلمّس هذا الأمر من خلال سياسة المهادنة والاسترضاء التي يتبعها الغرب حيال هذا النظام، فصحيح أن هناك حالة من العداء الظاهر بين النظام الإيراني وبعض الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، إلا أنّ إيران الموحدة تُمثّل حاجة لهذه الدول، فالصين وروسيا على سبيل المثال غير مستعدتان لتغيير النظام في إيران لأن تغييره قد يفتح الباب على مصراعيه لاحتجاجات وثورات ملونة في المنطقة، الأمر الذي قد يطلق يد الفوضى في المنطقة ويعطّل مصالح هذه القوى في منطقة تعد ممراً مهماً لحركة التجارة والترانزيت بين آسيا وأوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب بتغيير النظام الإيراني باعتباره لاعب رئيس على رقعة الشطرنج السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتفضّل استمراره لاستمرار استخدامه كهراوة تهديد و"فزّاعة" للضغط على دول المنطقة، وكذلك لتبرير وجودها داخل المنطقة من أجل تحقيق التوازن الإقليمي، وبالتالي تفضّل الولايات المتحدة استمرار النظام الإيراني مع إضعافه والحفاظ على وحدة إيران الجغرافية عوضاً عن تغييره وانهياره ككيان جغرافي وجيوسياسي، وهذا ما يمكن تلمّسه بشكلٍ واضحٍ من خلال التصريحات الأمريكية التي تؤكد دعمها للمحتجين الإيرانيين وحقهم في التعبير عن آرائهم دون الحديث أو حتى التلميح بدعم المحتجين لتغيير النظام.
وعليه لا يوجد أي مؤشّر واضح حتى الآن يدلل على زوال الحاجة الدولية لهذا النظام حتى يمكن الحديث عن سعي الدول الغربية إلى مساعد الحركة الاحتجاجية لتغيير النظام الحالي واستبداله بنظام جديد مغاير، وذلك في ظل شبه إجماع من قبل المحللين أن الاحتجاجات الإيرانية الحالية، على الرغم من قوتها وتشكيلها خطر جدي على النظام الإيراني، تحتاج إلى مساعدة خارجية كي تحقق أهدافها في تغيير النظام القائم واستبداله بنظام مغاير.
الحقيقة الثانية تشتت المعارضة الخارجية وغياب بديل واضح للنظام القائم حتى الآن، وهذا الأمر يجعل القوى الغربية تفكّر ألف مرّة قبل اتخاذها أي خطوة باتجاه دعم الحركة الاحتجاجية لتغيير النظام الحالي، فصحيح أنّ الداخل الإيراني تتوفر فيه عناصر الثورة بعد اتساع مساحة الاحتجاجات الجغرافية وتجاوزها الانتماءات العرقية والأثنية واتخاذها بعداً وطنياً، إلا أنّ ذلك لا يعتبر كافياً لوحده لإحداث تغيير جذري واسقاط النظام، فإسقاط النظام يحتاج إلى تحرّك شعبي جماعي ومتواصل ولديه رؤية متكاملة للتغيير، وهذا الأمر لم ينضج بعد في الحركة الاحتجاجية الإيرانية، كما أن المعارضة الخارجية ما تزال منقسمة وعاجزة عن التوافق على هدف مشترك يشكّل استراتيجية وأرضية صلبة مستقبلية لمشروع تغييري حقيقي يكون بديلاً مقنعاً عن النظام القائم، فحتى الآن لا تزال هناك انقسامات جوهرية وعميقة بين أنصار الشاه واليساريين في إيران، وكذلك بين القوميين والأقليات العرقية.
الحقيقة الثالثة وهي استعداد النظام الإيراني للجوء إلى كل أشكال العنف من أجل الاحتفاظ بالسلطة والقضاء على الحركة الاحتجاجية، فكلما استمرت الاحتجاجات وتوسّعت واشتدت كلما توسّع النظام الإيراني في استخدام أشكال العنف لسحق الاحتجاجات، خصوصاً أن النظام الإيراني ما زال يحتفظ بالقوة الأمنية الأشرس، وهي الحرس الثوري الإيراني، لوقت الحاجة لاستخدامها في قمع الاحتجاجات ومساندة قوات الأمن وقوات الباسيج التي يعتمد عليها النظام الإيراني عادةً في قمع أي حراك شعبي معارض منذ أكثر من عقدين.
وبالتالي، وفي ضوء هذه الحقائق الثلاث، ربما يكون من الصعب بناء توقعات أكيدة وجازمة بشأن مستقبل النظام الإيراني ومآلات الحركة الاحتجاجية الراهنة، إلا أن ذلك لا يمنع من القول أن الاحتمال الأكبر لمآلات هذه الاحتجاجات في ضوء الحقائق الثلاث السابقة هو الاحتمال القائل بقدرة النظام الإيراني على السيطرة على هذه الاحتجاجات واحتوائها في المرحلة المقبلة، إلا أن هذا الأمر لن يكون سهلاً وسريعاً وقد يستغرق أشهراً عدّة لتهدئة الشارع، وأشهراً أخرى لمعالجة ذيولها النفسية والاجتماعية والإجرائية، لكن في حال تحقق للنظام الإيراني هذا السيناريو ستكون إيران أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار مجدداً في أي لحظة.
إيران
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع