صناعة انسان الحضارة و الفكر
هيبة بوربعين | wahiba bourabaine
24/07/2020 القراءات: 2500
المشاريع الحضارية من صنع النخب العالمة؛ فإن العلماء الاجتماعيين المسلمين بحكم مرجعيتهم الثقافية مؤهلون أكثر من غيرهم لأداء أدوار في غاية الأهمية، تتعلق بترشيد المنحنى الحضاري، بواسطة الدراسات التي يقدمونها في هذا المجال بغية الارتقاء بوعي النخب القائدة والقواعد الشعبية إلى مستوى استيعاب سنن التغيير الحضاري، والانضباط بها في مباشرة مهام بناء الذات وهندسة المستقبل.
ولعل من الأطروحات الهامة، التي ينبغي التركيز عليها في هذا المجال وإدخالها ضمن المرجعية الثقافية للمسلم المعاصر، ما بلوره (مالك بن نبي) من أفكار في بناء الإنسان و صناعة الثقافة، باعتبارها قاعدة مركزية في حركة التجديد الحضاري للأمة.
تأتي أهمية العناية بأفكار الرجل في قضايا الإنسان و الحضارة و الثقافة ؛ من كونها:
- أولا: امتداد للفكر الحضاري الذي أرساه الوحي الأعلى، وحاول (ابن خلدون) إعطاءه الأبعاد الإجرائية الواقعية في عصره.
- ثانيا: وفِّقت في رسم الإطار الصحيح لقضية البناء الحضاري وتحديد الكثير من شروطها.
- ثالثا: المحاولة العلمية الجادّة في مجال المراجعة والتقويم لمسيرة حركة البناء الحضاري للأمّة من جهة، ومحاولات التجديد الحضاري من جهة أخرى.
فقد وفق ؛سواء على الصعيد المنهجي أو الفكري، في تقديم مراجعة هامة، وتقويم موضوعي جريء لحركة النهضة الإسلامية الحديثة، لم تنل من مصداقيته السنون الطوال، بل زادت الكثير من آرائه وأطروحاته تأكيدا و بروزا، ولفتت إليها أنظار المهتمين بمستقبل الأمة.
و لعل جانبا من المصداقية يتضح لنا من خلال تناولنا لموضوع معالم صناعة الانسان.
قد لا يبدو العنوان جديدا، فما أكثر من حفر معرفيا في فكر (مالك بن نبي) ، لكن ما كان ينقص ربما هو المقاربة الابستمية بعيدا عن الانفعال او الشطط.
ثمة دراسات في الموضوع شكلت قيمة مضافة في مسيرة التعريف بتراث الرجل؛ نذكر منها:
1. مكانة الأفكار في الفلسفة الاجتماعية عند (مالك بن نبي) لصاحبها (حمودة سعيدي)، و هي رسالة ماجستير عنت بكل ما هو فكرة كما يذكر الباحث في مقدمة رسالته.
2. مالك بن نبي: مفكرا إصلاحيا ل (أسعد السحمراني)، وهي رسالة دكتوراه اهتم صاحبها بجوانب الإصلاح في فكر الرجل.
3. موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري لصاحبها (طيب برغوث)، وهي دراسة صغيرة الحجم اهتمت بالجوانب الثقافي في فكر (مالك بن نبي).
ولما كانت إشكالية الموضوع متبلورة في شكل سؤال مُلح يبحث في طبيعة التشكيل الثقافي لإنسان الحضارة؟ فإننا ركّزنا في هذه المحاولة المتواضعة على استخدام التحليل منهجا رئيسا في الكشف عن اشتراطات موضوعية لإنسان الإقلاع الحضاري، متوخين الواقعية والموضوعية قدر الإمكان إذ هو بحث لا يمكن أن يخلو من مزالق العلوم الاجتماعية عموما، فالحديث كان عن المجتمع العربي الإسلامي في كياناته المادية وبنياته العضوية، وفي تركيبته الفكرية، بوصف الأفكار كائنات حية، كما تناولنا المسألة الاجتماعية في جوانبها الأخلاقية والروحية والمعرفية والسلوكية.
إلا أن المنهج التحليلي هذا يولد إشكالية اطّراح المنهج التركيبي؛ لكن الأصح هو القول بالترابط بينهما ، ذلك أن العمل التحليلي في الميادين الاجتماعية يهدف إلى البحث عن التركيبة الاجتماعية المتجاوزة لتناقضاته الآنية.
ولقد عمدنا، إلى جانب هذا المنهج، طريقة المقارنة التي تحدد التشابه والاختلاف والتداخل بين المفاهيم ووجهات النظر، المتحددة من حيث المحتوى في ضوء المنهج النقدي الذي كان الحرص على توظيفه كل مرة نجد فيها إليه منفذا، وذلك إيمانا منا بمكانة النقد البنّاء في عملية التجديد الحضاري.
الحضارة ، الإنسان، الثقافة، الفكر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة