مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي


الاقتران العظيم بين كوكبي المشتري وزحل

أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi


19/12/2020 القراءات: 1665  



لأن سنة 2020م سنة استثنائية حتى في أحداثها الفلكية فلابد أن تختتم أحداثها بحدث ختامي يليق بها ، حيث يشهد يوم الاثنين 21 ديسمبر 2020م حدثاً فلكياً ربما يكون هو الأهم في عام 2020م من حيث نوعيته وتوقيت حدوثه. حيث يظهر عملاقا المجموعة الشمسية (كوكبي المشتري وزحل) مقتربين من بعضيهما ظاهرياً ولا تفصلهما للراصد من الأرض سوى زاوية قوسية تقدر بـ 0,1° (أي خمس الزاوية التي يصنعها قطر كل من الشمس والقمر (في حالة البدر)). وتسمى هذه الظاهرة بالاقتران (اقتراب جسمين فلكيين ظاهرياً بحيث يكونان في أقرب مسافة ظاهرية بينهما وبحيث يكون لهما نفس المطلع المستقيم Right Ascension أو خط الطول السماوي Celestial Longitude). وفي حالتنا هذه سوف يكون المشتري وزحل في حالة اصطفاف على شبه استقامة واحدة بالرغم أنه تفصل بين مداريهما ملايين الكيلومترات (حيث سيكون كوكب زحل على بعد 733 مليون كيلومتر (456 مليون ميل) خلف كوكب المشتري. هذه الظاهرة تحدث كل 20 عام تقريباً (أي أن أول اقتران لاحق بينهما سيحدث عام 2040م) ، وتكون فرصة ثمينة لتسجيل هذه الظاهرة والتقاط صور فلكية رائعة ونادرة ، حيث سيبدو الكوكبان وكأنهما يصنعان بقعة مضيئة في سماء الليل. ويُعَدُّ هذا الاقتران بين هذين الكوكبين هو أول اقتران بينهما في القرن الحادي والعشرين ، ويكتسب أهميته من حيث تزامنه مع توقيت الانقلاب الشتوي هذا العام مما يجعل تسجيله يحظى بمكانة فلكية استثنائية. ويشهد هذا القرن أربعة اقترانات تالية لهذين الكوكبين ، سيكون أولها في يوم 31 أكتوبر 2040م وثانيها يوم 7 إبريل 2060م وثالثها يوم 15 مارس 2080م ورابعها يوم 18 سبتمبر 2100م. ويمكن حساب الدورة الاقترانية الصغرى بين كلا الكوكبين بشكل مبسط ، حيث يُكمل المشتري دورته حول الشمس مرة كل 11,8 سنة أرضية بينما يُكمل زحل نفس الدورة مرة كل 29,5 سنة أرضية تقريباً ، ويتم تقدير معامل الاقتران عن طريق حساب حاصل ضرب كلا الدورتين مقسوماً على الفرق بينهما (أي 29,5 × 11,8/17,7) حيث ينتج الرقم 19,6 وهو عدد السنوات اللازمة لحدوث اقترانين متتاليين نظرياً. لكن لميل مداري كلا الكوكبين على الآخر زيادة نسبة اللامركزية بينهما حول الشمس بالنسبة للراصد من الأرض فإن هذه الدورة العشرينية – مجازاً - تعاني من تأرجح في موعدها ، حيث لا يكون الرقم السابق بالضبط هو عدد السنوات الفاصلة بين كل اقترانين بل يحدث بعض التعديل فيه كل عدة دورات. هذه الدورة الاقترانية العشرينية هي أيضاً جزء من دورة اقترانية أكبر تبلغ 397 سنة بين كل اقترانين في أقرب مسافة ، بمعنى أن أقرب مسافة ظاهرية بين كلا الكوكبين تتحقق كل 397 سنة. ولحسن الحظ أن اقتران يوم 21 ديسمبر 2020م هو أحد الاقترانات ذات أقرب مسافة ، مما يعني أننا سنكون في نهاية دورة اقترانية ماضية وعلى رأس دورة اقترانية جديدة ، فإذا أضفنا إلى ذلك كون هذا الاقتران يحدث متزامناً مع الانقلاب الشتوي هذه السنة فإن هذا كله يضفي على الحدث أهمية كبيرة ويمنح هذه الأهمية زخماً أكبر. يُذكَرُ أن آخر اقتران بين الكوكبين العملاقين لم يكن بهذا القرب منذ شهر يوليو من عام 1623م ، لكن لم تكن رؤيته متاحةً نظراً لأن المشتري وزحل وقتها كانا قريببن في سمائنا من الشمس ظاهرياً ، فكانا يغربان بعد غروب الشمس بقليل بشكل يستحيل تقريباً رصدهما فيه. بينما كان الاقتران الأسبق الذي حدث في يوم 4 مارس من عام 1226م (قبل 794 سنة) أوضح وأقرب للرصد ، حيث كان الثنائي يُزين السماء قبل الفجر ، وكان ذلك في زمن الدولة الأيوبية ، حيث كان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب سلطاناً على مصر وكان أخوه الملك المعظم عيسى بن العادل على رأس السلطة في دمشق (وبالمناسبة كان الملك الكامل – برغم جهوده في صد الحملة الصليبية الخامسة – هو من فرَّطَ في القدس التي حرَّرها عمه صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين عام 1187م ليعقد معاهدة سلام مع الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني ويهديه إياها مجدداً في ظل صراعه مع أخيه في دمشق المعظم عيسى). سيكون شروق كوكب المشترى يوم 21 ديسمبر 2020م في الساعة 9:19 صباحاً بتوقيت القاهرة وغروبه في الساعة 7:38 مساءً وتكون زاوية ارتفاعه فوق خط الأفق وقت غروب الشمس 38,3° ، بينما يكون شروق كوكب زحل في نفس اليوم في الساعة 9:22 صباحاً بتوقيت القاهرة وغروبه في الساعة 7:43 مساءً وتكون زاوية ارتفاعه فوق خط الأفق وقت غروب الشمس 38,6° ، ويُرى كلا الكوكبين في اتجاه الشمال الغربي (إلى يمين الناظر إلى الشمس وقت الغروب). ونظراً لعدم أمكانية رؤيتهما قبل غروب الشمس فستكون فترة رؤية هذا الاقتران نظرياً في ما بين الساعة 5 و 7:38 مساءً ، لكن نظراً لاعتبارات تخص لمعان ضوء شفق الغروب وكتلة الهواء اللذين يُصعِّبان الرؤية غالباً فستكون أنسب الفترة لرصدهما فلكياً وتسجيل الحدث بالصور ي ما بين الساعة 5:30 و6:30 مساءً بتوقيت القاهرة ، وهذا كله في حالة عدم وجود سحاب يغطي السماء وبالذات موقع الرصد ، لأن ذلك لو حدث لخرج الحدث النادر كله من إمكانية الرصد الفلكي بكل أسف. ويستغل علماء الفلك والهواة مثل هذه الظواهر عادة في فهم أدق لحركة الكواكب والأجرام السماوية وتغيرات المسافات البينية والظاهرية فيما بينها وغير ذلك من الحسابات الفلكية والرصدية المختلفة. ويمكن للمشاهد أن يلاحظهما معاً بالعين المجردة حيث سيظهران كبقعة ضوء واضحة في السماء. ياسر عبد الهادي #ياسر_عبد_الهادي #أحداث_فلكية #أحداث_فلكية_في_عام_2020 #الاقتران_الأعظم #الاقتران_العظيم #اقتران_كوكبي_المشتري_وزحل #اقتران_المشتري_وزحل


أحداث فلكية ، الاقتران الأعظم ، اقتران المشتري وزحل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


مقال رائع د. ياسر ما هو تأثير هذا التقارب على كوكب الأرض جزاك الله خيرا


أشكر مرورك وتعليقك الكريمين د. محمد... لا يوجد تأثير يُذكر من هذا الاقتران على كوكب الأرض إن شاء الله نظراً لبعد المسافة بين الكوكبين فيما بينهما وبعد كل منهما على الأرض.