مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي


هل يمكن تحديد ليلة القدر في رمضان علمياً؟

أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi


25/04/2022 القراءات: 1300  


في كل عام وعند دخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك بدور الحديث عن ليلة القدر وترقبها وعلاماتها وفي أي ليلة من الليالي العشر تكون وعمّا إذا كان من الممكن تحديدها برصد مشاهداتها المذكورة في الأحاديث الشريفة. ويحدث أن كثيراً من الناس ينحون باللائمة علينا نحن الباحثين والمشتغلين بعبوم الفلك والفضاء والإشعاع الشمسي وقياس لمعان السماء سواء بالليل أو النهار ، ويكون سؤالهم أن كيف لكم أن تكونوا علماء مسلمين في هذه التخصصات وتمتلكون أجهزة قياس إشعاعات ولمعان السماء والإشعاع الشمسي بكافة مركباته وأطيافه ثم لا يستفاد من هذا كله في تحديد ليلة بهذه الأهمية لدى المسلمين الذين يترقبونها من العام للعام؟!!. ويدور نفس السؤال كل عام: هل يمكن رصد الظواهر والمشاهدات الفلكية والفيزيائية في السماء والجو للخروج بنتيجة تحديد موعد ليلة القدر من بين الليالي العشر الأواخر من رمضان والتثبت من كونها ثابتة أو متغيرة؟!!..
وأنا هنا في مقالي هذا لا أتطلع للإجابة المباشرة على هذه التساؤلات دون الدخول في أصل المسألة وتحديد عناصرها ، كما لا أتطع كذلك إلى غلق باب الاجتهاد في الأمر أو اختزال الشغف العلمي بالموضوع الذي يبدو مثيراً لكثير من المسلمين اليوم.
في البداية نقول: نعم نحن كعلماء باحثين مسلمين امتن الله علينا بالعلم في هذه التخصصات وعلَّمنا ما لم نكن نعلم فيها وأفاض علينا بوجود الأجهزة المذكورة التي تراقب السماء والأجواء بالليل والنهار مثل أجهزة القياس البصرية (فوتوميتر Photometer) وأجهزة قياس جودة السماء (سكاي كواليتي ميتر Sky Quality Meter) بالإضافة إلى أجهزة قياس الإشعاع الشمسي الكلي (البيرونوميتر Pyronometer) والمباشر (البيرهيليوميتر Pyrheliometer) والمنتشر (Diffuse Pyronometer) وكذلك أجهزة قياس درجة الحرارة والرطوبة وسرعة واتجاه الرياح. وبهذه الأجهزة يمكن تسجيل بيانات الليالي من حيث شدة لمعان السماء بالليلة وشدة الإشعاع الشمسي بأطيافه المختلفة عند شروق الشمس وكذلك درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها.
كما أن الظواهر الفلكية والجوية المذكورة في الأحاديث الشريفة معروفة وهي شدة لمعان السماء في هذه الليلة وسكون الرياح واعتدال درجة الحرارة والرطوبة ثم إن الشمس تطلع في صبيحتها صافية لا شعاع لها وكأنها القمر في حالة البدر (أو مثل الطست) حتى ترتفع. وقد كان أحد اقتراحاتي أنا شخصياً يقول بقياس لمعان السماء أثناء ليالي رمضان نفسها (طيلة الليل حتى شروق الشمس) بالإضافة إلى الظروف الجوية المصاحبة والتي تحقق العلامات الواردة في الآحاديث النبوية الشريفة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر في الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "إن أمارتها أنها ليلة صافية بلجة كأن القمر فيها ساطع ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحلُّ لكوكب أن يُرمى به فيها حتى يصبح وأن أمارتها أن تخرج الشمس مستوية ليس لها شعاع مثل القمر البدر لا يحلُّ للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ". وفي حديث جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي ليلة طلقة بلجةٌ ، لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمراً يفضح كواكبَها لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها".
لكن هناك إشكاليتان في هذا الأمر تحديداً: واحدة تتعلق بالإجراء التجريبي والعلمي والثانية تتعلق بالتأثير النفسي.
فأما الإشكالية التي تتعلق بالإجراء التجريبي والعلمي فهي أن الأمر يتطلب إجراء قياس العوامل المذكورة والظواهر المشاهدة في كل ليالي العشر الأواخر من رمضان حتى تسهل المقارنة بينها لاستنتاج في أيها (كانت) ليلة القدر ، لأنه من الوارد جداً أن سكون التشابه كبيراً بين هذه الليالي في هذه العوامل خلال هذه الليالي ، وهو ما يعني أن الليلة ستكون قد مرَّت قبل أن يتم التأكد منها. وحتى على مستوى التجرية في ليلة واحدة لا يستطيع المرء الجزم بأنها هذه الليلة أو تلك حتى يرى العلامات كلها ثم ينتظر حتى شروق الشمس كل يوم ليختم بها تأكده منها ، وهو ما يعني أنه حتى لو بدا الأمر يسيراً في ليلة بعينها فإنه يجب الانتظار حتى صبيحتها ليرى تلك العلامة الشمسية فيتيقن من الأمر ، وهذا يعني كذلك فوات الليلة نفسها. وحتى لو تم تحديد ليلة القدرلشهر رمضان في سنة ما فهذا لا يعني – بالضرورة - أنها ستكون ثابتة وتأتي في نفس موعدها في رمضان التالي ولا الذي بعده ، وهو ما يعني أن هذه التجرية يجب إجراؤها والانشغال بها في الليالي العشر الأواخر من رمضان لكل عام على حدة!.
وأما الإشكالية التي تتعلق بالتأثير النفسي فهب أنك علمت أثناء التجربة – فرضاً – موعد هذه الليلة وأصبح عندنا ما يشبه اليقين أثناء ليلة ما أنها هي ، كيف سيكون الأمر لو أننا قمنا بالإعلان عن هذا الأمر؟! كيف سيكون تأثير هذا الأمر على نفوس المسلمين الذين لم يوفقهم الله تعالى إلى الاجتهاد في هذه الليلة؟! لا شك أن كثيراً منهم سيصاب بالإحباط وسيصيبهم الفتور في العبادة والطاعات ما يكون سبباً في صدِّ كثير منهم عن الطاعة في المتبقي من الليالي (بغضِّ النظر عن صحة هكذا ردِّ فعل). ولذلك ذهب كثير من العلماء إلى ان من يُدرك ليلة الدر يُستحبُّ له أن يكتم ذلك ولا يذيعه بين الناس ، وهذا من اخلاق الإسلام الرفيعة التي تحرص على سلامة نفوس أعضاء المجتمع الواحد ومنعاً لتسلل الشيطان إليها سواء لحسد الغير أو لبث الإحباط أو الفتور في الطاعة والعبادة.
لذلك أرى أن تحديد هذه الليلة قد يقع تحت بند ما هو علم لا ينفع ، بل قد يدخل في باب العلم الضارَّ أحياناً. ولو كانت حكمة الله تعالى تقضي بمعرفة موعد هذه الليلة بشكل قاطع لأعلمنا إياها وانقضى الأمر ، لكنه أخفاها لحكمة بالغة وهي الاستمرارية في العبادة أثناء الليالي العشر الأواخر من رمضان ليكتمل الشهر بعد أن يكون المرء قد اجتهد ملء جهده ووسعه لهذه الفترة كاملة حتى يكون على أعتاب التعود على الطاعة فيما بعد رمضان.


ليلة القدر - شهر رمضان - العشر الأواخر من رمضان - تحديد علمي - الفلك الإسلامي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع