مرحلة ما بعد النزاع بين إرساء ثقافة اللاعنف وإحياء التراث الثقافي
محمد محي محمد | Mohammed muhi aljanabi
11/10/2020 القراءات: 3111
لا شك أنًّ ما تعرض له مجتمعنا من هزات وحروب وكوارث طبيعة وبشرية، كالإحتلال الأجنبي وشيوع الجريمة والفساد والنزاعات ولاّسيما في المناطق العراقية التي شهدت إحتلالاً من قوى الإرهاب والتطرف، تركت بصمة خطيرة على المجتمع عبر إثارة نار الحقد والعنف والتطرف الذي زاد من المعاناة الإنسانية غير أخلاقية والإجتماعية، فضلاً عن إهدارها للحقوق الإنسانية والدينية كافة وعلى رأسها الحق في الحياة والتسامح بين الأفراد.
وعليه فإنًّ إرساء ثقافة اللاعنف ونشر السلام والتسامح مسيرةً طويلةً لابد لها أن تنطلق من المجتمعات التي عانت من الإرهاب أولاً، لتتمكن بعدها من رسم ملامح مستقبلها والمشاركة الفاعلة في إعادة بناء الأُسس في مجتمع مدني يتمتع فيه الأفراد بالعدالة والمساواة والحرية والرخاء الإقتصادي، وذلك من شأنه تحجيم العوامل التي دفعت البعض نحو التفكير في الإرتماء في أحضان الإرهاب للحصول على المال أو السلطة أو للإنتقام والتعبير عن رفض الواقع وقبول الآخر، ويقع واجباً على الحكومة الاتحادية والمحلية ومنظمات المجتمع الأهلي للعمل الجاد على ترسيخ ثقافة السلام ونبذ العنف بوصف ما تقدم هدفا استراتيجياً لابد من بلوغه، والسير قدماً بإتجاه تحقيق الإستقرار الأمني والإقتصادي والإجتماعي والإنصياع لأحكام القانون، والإحترام الحقيقي لحقوق وحريات المواطن المسطرة في الوثيقة الدستورية(1) ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي العمل على(2):
1_ الإهتمام بشكل كبير ومركز لإظهار الأثار السلبية التي طالت العراق من جراء ممارسات العنف في السابق وإظهار عدم جدواها، للإستفادة من أخطاء الماضي في عملية بناء المستقبل، والحث على العفو وتقديم الإحترام للأخرين وقلع جذور الحقد والعدوان والكراهية من نفوس الأفراد.
2_ ضرورة أن تتولى المؤسسة الدينية ترسيخ ثقافة السلام والتسامح عبر الخطب الدينية والمحاضرات والمناسبات وتوضيح جوهر الإسلام الذي يعتمد على اللاعنف في أداء رسالته السماوية، وذلك لإسقاط إدعاءات قادة الإرهاب وزعاماتها، ولاسّيما أنهم وظفوا العامل الديني لتحقيق أهدافهم الخاصة.
3_ ضرورة تكاتف عمل مؤسسات المجتمع المدني مع الاعلام في نشر ثقافة السلام والتسامح عبر ألياتها مثل عقد الندوات والمنشورات والفعاليات الإعلامية المختلفة.
4_ ضرورة التقليل من مظاهر العنف في ممارسات وسلوكيات بعض الأجهزة الأمنية في داخل المدن ولاسّيما المحررة حديثاً، مثل عدم إحترام الأخر وظاهرة إطلاق النار بشكل عشوائياً.
5_ ضرورة تشريع قوانين تحظر الأحزاب السياسية التي تستخدم لغة العنف بدلاً من الحوار عبر أليات الضغط السياسي لكسب أكبر قدر ممكن من المناصب، وإلزامها بالتخلي عن مكاتبها العسكرية، فضلاً عن إلزامها بإستخدام الديمقراطية في نظامها الداخلي.
6_ ضرورة تشريع قوانين للقضاء على ظاهرة العنف الأُسري داخل المجتمع العراقي، والتي من شانها أن تخلق أجواء أكثر امنناً من الناحية الفكرية والإجتماعية، وإزالة الفوارق بين الجنسين سواء في المستوى الثقافي أو الطبقي من اجل بث أسس السلام والتسامح في نفوس الأفراد وتقوية أواصر العلاقات الإجتماعية بينهم.
ومن جهة اخرى، يتعرض التراث الثقافي في مناطق النزاع المسلح للتدمير الجزئي أو الكلي والتي تتمثل في عمليات نهب القطع الأثرية وحرق وتدمير المكتبات والمتاحف والأماكن الأثرية ودور العبادة وإلى غير ذلك من الخسائر. كما تؤدي النزاعات المسلحة أيضاً إلى اندثار التراث اللامادي أحياناً كالممارسات والطقوس الدينية والإجتماعية والفنون وتقاليد أداء العروض والكرنفالات والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية أو تغيّره بسبب التغييرات الديمغرافية الحاصلة في المجتمع، بسبب النزوح أو اللجوء إلى دول أخرى، إذ إنًّ التراث الثقافي يحقق الترابط بين الأجيال ويؤمّن إستمرار القيم الثقافية بما فيها ثقافة الحياة اليومية وإنتقالها عبر الأجيال(3).
وتأتي أهمية إحياء التراث الثقافي من أنًّ مساهمته في إعادة الإعمار ما بعد النزاع، تتخطى ترميم المباني العمرانية المتضررة بالحرب وإستعادة التراث المسروق فحسب، بل تساهم في إعادة البناء الاجتماعي في المجتمعات الخارجة للتو من الحرب، وتساعد على تأكيد الشعور بالهوية والانتماء وتحقيق مفاهيم التسامح والمصالحة وبناءً الثقة في المجتمع المنقسم، مما يسرّع من عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم التي تركوها في أثناء النزاعات ، وينعكس ذلك على الإستقرار المجتمعي والسياسي، كما تؤمن مشاريع الترميم للمباني والمعالم التراثية فُرَصَ عملٍ للشباب في مجتمعات ما بعد النزاع ، وفي قطاع البناء بشكل خاص، مما يسهم في تخفيض معدل الفقر وإنعاش الإقتصاد الذي أنهكته الحروب، لاسّيما وإن هذه المشاريع تعمل على مجال زمني طويل نسبياً(4).
وعليه فان احياء التراث يسهم في إرساء السلام ونشر التسامح عبر ثقافة سياسية واعية وديمقراطية توفر للفرد صيغة سلوكية تعمل على تكوين العلاقات الإجتماعية الإيجابية وتنظم وتحافظ على المجتمع وإستقراره وفقاً لمصالح ومتطلبات أفراده.
المصادر:
1. علاء إبراهيم محمود، صنع السلام وإرساء ثقافة اللاعنف بعد هزيمة الإرهاب، صحيفة النبأ الالكترونية، 12/8 2017 ، على الرابط الآتي: https://annabaa.org/arabic/violenceandterror/12128
2. احمد ياسين احمد، ثقافة اللاعنف وتجليات المجتمع العراقي، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الإجتماعية، العدد (5)، كلية الآداب، جامعة واسط، 2011، ص251-252. وايضاً، علاء محمد ناجي، ثقافة التسامح ودورها في تقوية العلاقات الإجتماعية، بحث منشور في مركز الفرات، 21/12/2017، على الرابط الاتي: http://fcdrs.com/social/987
3. محمد محي محمد، سياسات إعادة تأهيل مجتمعات ما بعد النزاع_ دراسة حالة العراق بعد عام 2014، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان_ الاردن، 2020، ص 167.
4. ضحى الشيخ حسن ، إعادة إحياء التراث الثقافي بعد النزاعات المسلحة ، بحث منشور على الجمهورية نت ، 25 حزيران 2016 ، على الرابط الآتي:
https://www.aljumhuriya.net/ar/35277.
ثقافة اللا عنف، التراث الثقافي، النزاع، الاستقرار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع