مثالية الاسترخاء (قراءة في أمثال عامية عراقية)
د .عبد الجبار سعد | abdaljabbar
11/01/2021 القراءات: 1547
مثالية الاسترخاء (قراءة في أمثال عامية عراقية)
المثاليّة فلسفة أو طريقة في التفكير تميل إلى غير المحسوس وتسبق المادّي ، وهي طريقة قد تصلح لتوُظّف، فتكون أداة تخدير للمجلودين بسياط الواقع ، وعلى الرّغم من فاعلية تخفيف الألم الموقت التي يتمتع بها التفكير المثالي إلاّ أنّ تكرار تعاطيها سيسبب إدماناً واسترخاء ورضى سلبياً .
والمثل له قوّة إقناعية تعادل قوة الحقيقة المُتفق عليها والمَفروغ من مصداقيتها ، فهو يتجلّى عند المَقام المشابه لإطلاقه الأوّل ؛ ليفرض شرعيّة ولادته ويعمّمها على كلّ موقف مشابهٍ لاحق .
في الأمثال الشعبيّة العراقية نجد كثيرا من الأمثال التي تُرسِّخ مثاليّة الاسترخاء خاصّة عندما يطلقها أشخاص مزقتهم جراح الواقع ، فراحوا يخففون آلامهم بمسكنات المثاليّة ، من تلك الأمثال قولهم :(الزْايد كالناقصْ) وهو مثل يُضرب ظاهراً في التحذير من الطمع وبيان أنّ كل ما يُكتسب مصيره الزوال والفناء ، وذلك معنى صحيح ،لكن وظيفة المثل تأخذ البعد التخديري عندما يصبح هذا المثل أداة ووسيلة لمعالجة آلام رفض الواقع وفوات المكاسب المادية .
(الزائد كالناقص) في نهاية الأمر، أمّا في الممارسة الفعلية الآنيّة فالزائد والناقص متناقضان ، والهروب من هذه الحقيقة الآنيّة بالنظر إلى النتيجة المؤجلة لجميع البشر لا يغيّر من تلك الحقيقة في لحظتها المُعاشة .
من أمثالهم الأخرى :(اكْعدْ بالشمس عَلْما يجيك الفي)و قولهم : (التالي ربّه عالي) وهما مثلان يحثّان على الصّبر ، وأنّ الخير قد يكون مؤجلاً ، ولا شكّ في أهمية الصبر وأنّ الفرج قد يكون قريباً ، لكن تلك الحقيقة لا تعني الاسترخاء المطلق ، والنوم في محراب الانتظار ، والترقب السلبي للفرج الغائب ، فإمكانية مجيء الفرج لا تعني مجيئه واقعاً ، وافتراض مجيئه وحصوله واقعاً في حالاتٍ عدّة لا يغيّر من الحقيقة المُعَاشَة بقدر ما يجعلنا نغفو مسترخين هروباً من الواقع لنحلم بذلك الحلّ المنتظر .
إنّ الأمثال التي تحاول تخدير ألم الواقع مهما حوت من حقائق وقيم مثاليّة لا تغيّر بل تُخدّر وتبعث الاسترخاء المُدْعَم بالرضا الذي تخلقه القوّة الاقناعية لتلك الأمثال .
مثالية الاسترخاء أمثال عامية عراقية)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
موضوع قيم مفيد . جزاكم الله خيرا كثيرا.