حقيقة العالم : التأصيل والتوصيف
د. محمد عيسى أبو نجيله | MOHAMMED I. A. ABUNEJEILA
01/10/2020 القراءات: 1849
حقيقة العالم : التأصيل والتوصيف
لقب العالم من الألقاب التي لم تضبط بتعريف جامع مانع ، والباحث في مصادر المعرفة والعلم يجـد صفات للعالم بينها الباحثون والمصنفون ممن تناول هـذا المصطلح ، وتلك الأوصاف كانت منضبطة أحياناً ، وكانت غير ذلك في كثير من الأحيان ، وأدى ذلك إلى أن ادعى كثير من الناس هذا اللقب ، أو أُطلق اللقب على من لا يستحقه حقيقة .
وبناء ذلك فنحن في هـذا العصر بحاجة ماسة إلى وضع تعريف يحدد المقصود بهذا اللقب تحديداً دقيقاً حتى لا تلبتس الصفات أو يحصل عليها من لا يتصف بها حقيقة ما يؤدي إلى انخداع العامة فيأخذون عن من لا يتقن ولا يعلم . وأحاول هنا وضع توصيف يقارب المصطلح ، ويضبطه .
إذا انطلقنا من الدلالة اللغوية للكلمة فإن لفظة عالم اسم فاعل من الثلاثي عَـلِـمَ ، واسم الفاعل يدل على من منه الفعل أو تعلق به ، فقولنا : هذا عالم . يقصد به أنّ المشار إليه متصف بالعلم وقام به ؛ أي قام بتحصيل العلم حتى صار صفة يعرف بها ، ويفترق عن دلالة الفعل ؛ فقولنا : عَـلِـمَ خالـدٌ . يدل على تعلق العلم بخالد على وجه الحدوث في الماضي من غير اتصاف به ، فمن علم شيئاً ما ، أو مسألة ما لا يُسمى عالماً ، إنما العالم من حصل منه القيام به وجه صار يُعرف به عند الناس لاشتغاله به ومداومته عليه .
فإذا صار وصف التعلق بالعلم على وجه الكثرة والغلبة سُـمي عليماً ، على وجه المبالغة ، وإذا صار العلم صفة لا تنفك عنه في أي حال من الأحوال سمي عليماً على وجه الصفة المشبهة ، وصيغتا المبالغة والصفة المشبهة هنا تتحدان في الوزن فكلتاهما على " فعيل " والذي يحدد دلالة كلٍّ منهما هو السياق الذي ترد فيه اللفظة .
وبالانطلاق من هذه الدلالة اللغوية لاسم الفاعل نعلم أنه ينبغي أن تطلق لفظة عالم على من عرف بالعلم واشتغل به ، وتتفاوت درجات الانشغال ، لذا فإنّ إطلاق صفة عالم لا تفيد فائدة محددة دقيقة وهي مطلقة ، لأجل هذا فإنه ينبغي أن تقيد بقيد مبين لها ؛ فنقول : هذا عالم في النحو ، أو الصرف ، أو التفسير ، أو الكيمياء ... إلخ .
هذا تأصيل لغوي لمصطلح " عالم " الذي صار يستعمل كثيراً من غير ضبط ، أو بيان ، ما قد يؤدي إلى مشاكل ، كما يحصل في إطلاق لفظ " طبيب " على من لم يدرس الطب ، واكتفى بأن قرأ كتاباً عن الأمراض فحسب ، فلا ريب أن ذلك إذا تصدى لمعالجة المرضى فإنه قد يأتي بما لا تحمد عقباه ، كذلك هو حال من يدعي العلم فيجتمع الناس حوله فيأخذون منه فتضطرب معلوماتهم ، وتتشوه أفكارهم ، وترتسم في عقولهم صور مشوهة عن الأشياء .
العالم ، الدلالة اللغوية ، تأصيل المصطلح .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع