مدونة خالد بن فتحي بن خالد الآغا


هل يلزم من تطور الآلة تطور الإنسان

خالد فتحي خالد الآغا | Khaled Fathi khaled Alagha


24/08/2020 القراءات: 3787  


قد يوصف المجتمعُ بالتطوّر والمدَنِيةِ، غير أن تطورَ الآلةِ لا يعْنِي بالضرورةِ تطورَ الإنسان، فإنّ غلبةَ النزعَةِ المادِيّةِ في المجتمعات الغَربيّة جعلتْ تلك المجتمعاتِ تبحثُ عن المتعةِ في المادّةِ فقط، في إشباع رغَبات الجسد ومطالبِه، بل العقْلُ وُظّفَ أيضا لخِدْمَةِ هذه المطالِب، وأمّا مطالِبُ الروحِ فأُغْفِلَتْ تمامَ الإغفال، كما عُطّلَ جانبُ العقْلِ الذي يوصِلُ الروحَ إلى النعيمِ الذي تحتاجُ إليه، فظلت الروحُ تائهةً حائرة، تئِنُّ تحت وطْأةِ الإهمالِ والنسيان، حيلَ بينَها وبين أجْوِبَةِ الحياةِ الكُبْرى، منْ أينَ أتيتُ؟، ولمَ جئتُ إلى هذا الوُجودِ؟، وإلى أينَ المصيرُ؟، وبهذا انقطَعَتْ الصلةُ بين الروحِ والعَقْلِ أيضاً، بينَما ظلّتْ الروحُ تنوءُ بأصفادِ العبودِيّةِ للجسد.
القانونُ كذلك جاءَ تابعاً لهذه الفلسفَةِ الجاحدَةِ، والمجتَمَعُ الذي يُمارَسُ عليه القانونُ تعاملَ معَ القانونِ من مُنْطَلَقِ الفلسفةِ نفسِها، فما دامَ القانونُ ماديّا فليكنْ التعاملُ معها ماديا فحَسْبُ، فإذا غابَ الرقِيبُ الماديُّ الذي يقومُ على تطبيقِ القانونِ فما الذي سيُلْزِمُ الجسَدَ الغارِقَ في شَهَوَاتِه الحَيَوانِيّةِ بإنفاذِهِ؟، وإذا لم يلتزمْ إنفاذَهُ لمصلَحةِ نفسِهِ فهل تُراهُ يلتَزِمُها لمصلَحةِ غيرهِ أو لمصلحةِ المجتَمع؟، فكيف إذا كانَ انفاذُهُ لمصلحةِ غيره أو مصلحة المجتمع سيحولُ بينَ جسدهِ وبينَ مطالبه الشهوانية؟.
عنْدَ هذه النقطة يقعُ إحدى الخطوطِ الفواصِلِ بين القانونِ السماوِيّ والقانونِ الإلهي، فالقانونُ الإلهيُّ لم يغفل مطالِبَ الروح، بل فوقَ ذلك جعل مطالبَ الروحِ مقدّمةً على مطالبِ الجسد، وعَقَدَ أواصِرَ وثيقَةً بين الروحِ والعقْلِ، وسرّحَ العقْلَ في مداركِ السماواتِ والأَرْضِ، لينظُرَ ويتَدَبّرَ ويَتَفَكّرَ ويَعقِلَ ويتَذكّر، وليُقدّم الجوابَ للروحِ عن تساؤلاتِها الكُبْرَى، فينتشِلَها بذلك من أوضارِ العبودِيّةِ للمادّةِ، فَتَسْمُوَ الروحُ بذلك وتشرِقَ، وتُقِيمَ منْ نَفسِها رقيباً على نَفْسِها، فيغْدَوَ التزامُها بالقانونِ جِبِلّةً لها وطبْعاً، سيانِ عندَها غابَ الرقيبُ المادِيّ أو حضر، لأنّ الرقيبَ الذي سواها، ويعلم سرّها ونجواها حاضِرٌ في وِجْدَانِها على الدوامِ، ولا يُمْكِنُ أن يغيب


التطور، المدنية، المجتمعات، الروح، القانون، المجتمع، العقل، العبودية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع