مدونة الباحثة مختارية أبوعلي - باحثة في مقاصد الشريعة الإسلامية -


لفظ "المقاصد" ما بين أصل اللّغة وفقه الاصطلاح

مختارية أبو علي | Mokhtaria Bouali


19/05/2020 القراءات: 15068  


المقاصد, مقاصد الشّارع, مقاصد الشريعة, المقاصد الشرعية...كلّها تدور حول المفهوم الذي سنسعى لبيانه وتحديده في هذا المدخل الموجز.
1/ أصل المعنى من حيث اللّغة:
"المقاصد" من القَصد, وهي من حيث اللّغة وإن تعدّدت مدلولاتها حسب ما أورده علماء اللّسان العربي في مدوّناتهم ومعاجمهم فإنّه يمكننا إجمالها في المعاني التالية:
معنى الاستقامة: ومنه اقتصد في أمره أي استقام, وطريق قاصد أي سهل مستقيم.
معنى التّوسط: ومنه قصد في الأمر أي توسّط ولم يجاوز فيه الحدّ.
معنى إتيان الشيء: يقال قصدت له، وقصدت إليه وإليك قصدي, وأقصدني إليك الأمر.
معنى العدل والاعتدال: نحو قول الشّاعر:
على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى.....قضيّته أن لا يجور ويقصِدَ
أي على الحَكَمِ المرضيّ بحكمه المَأتيّ إليه ليحكم أن لا يجور في حُكمه, بل يعدل.
معنى الاستواء: نحو قولهم قصد فلان في مشيه, إذا مشى مستوياً.
معنى الأَمُّ والاهتداء: ومنه عصاً قصيدٌ أي كونها تهدي وتؤمُّ صاحبها.
يشهد لهذه المعاني ما جاء في معجم مقاييس اللّغة: "أصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجّه والنهود والنهوض نحو الشيء".

2/ أمّا في اصطلاح أهل الفنّ:
فالملاحظ عند العلماء المتقدّمين أنّهم لم يوردوا تعريفا دقيقا واضحا لعلم مقاصد الشريعة على عكس المعاصرين, فالإمام الشاطبي الذي يعتبر المؤسّس لفنّ المقاصد تأصيلا وتقعيدا لم يُنقل عنه تعريف جليّ لهذا الفنّ كغيره من العلماء الأوّل, وكان جملة ما وُجد في مدوّناتهم تعاريف للمقاصد من حيث الأقسام والأنواع وما له متعلّق بها.
تعريف الشاطبي (ت970هـ) في موافقاته (ص674)
ما ذكره في معرض ذكر مفهوم المقصود الشرعي: "أنّ المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلّفين تفهيم ما لهم وما عليهم, ممّا هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم, وهذا يستلزم كونه بيّنا واضحا لا إجمال فيه ولا اشتباه".
ويعتبر هذا التعريف عبارة عن قواعد وضوابط لمعرفة القصد الشرعي وليس تعريفا للمقاصد, ولعلّ سبب عدم تعريفه لها كون المقاصد فنّ كانت لم تكتمل مباحثه تدوينا, فلم تحدّ مصطلحاته عند الابتداء, وذاك شأن كلّ فنّ مبتكر, وهو نفس صنيع الشافعي في الرّسالة إذ لم يُعرّف الأصول, وهناك من أرجع سبب عدم تعريفه لها كونه كتب كتابه للرّاسخين في علوم الشريعة, كما صرّح في ذلك في مقدّمة موافقاته قائلا: "ولا يُسمح لهذا النّاظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد حتى يكون ريّان من علوم الشريعة أصولها وفروعها منقولها ومعقولها غير مخلد إلى التقليد والتّعصب للمذهب.."
تعريف ابن عاشور (ت1393هـ) في كتابه مقاصد الشريعة (ص251)
حيث عرّفها بقوله: "مقاصد التشريع العامّة هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في مجال أحوال التشريع أو معظمها, بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاصّ من أحكام الشريعة".
ويُلاحظ من خلال تعريف ابن عاشور أنّه خصّ المقاصد العامّة فقط, وتعريفه لها بالمعاني موهمٌ بانحصار المقاصد فيها, ومعلوم أنّ القصد يُستنبط من الظاهر أو الباطن, كما أنّ تخصيصها بالحِكم يدلّ على قصورها وعدم انضباطها, في حين أنّ قصد المقاصد توقيت مصطلحات وضبطها لتفيد البيان والوضوح.
تعريف علال الفاسي (ت1394هـ) في كتابه مقاصد الشريعة ومكارمها (ص07)
حيث قال: "المراد بالمقاصد الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها".
ويمكننا القول أنّ تعريفه لها بالغاية لا يستقيم, لأنّ الغاية تطلق على المقصد من باب التُجوّز وحقيقة المقاصد الوصول إلى الغاية, أمّا تعريفها بالأسرار فهذا يعكس فقها تَوَسُّميا غير منضبط كما بيّن ذلك الأخضري في كتابه الإمام.
رابعا: تعريف الأخضري وهو من المعاصرين في كتابه الإمام في مقاصد ربّ الأنام (ص63)
حيث عرّف المقاصد باعتبارين:
فباعتبار الهيئة الاجتماعية: فالمقاصد عبارة حاوية لأحكام المقاصد ومقاصد الأحكام وأوصاف الشريعة الإسلامية كلية كانت أو جزئية.
وباعتبار الهيئة الذاتية: بأنّها الباعث على تشريع الأحكام تفضلا منه سبحانه وتعالى.
وهذا الأخير أقرب التعريفات لاستناده على منظومة تعليل الأحكام باعتبار الإجمال والتفصيل إمّا على مقتضى العبادات أو المعاملات, إذ في ذلك كلّه جلب الصّلاح للمكلّفين ودفع الفساد عنهم, والباعث بالمعنى الذي ذكره جامع لكلّ الأحكام المعلّلة تعليلا جزئيا أو كليّا وغير المعلّلة؛ إذ مقصد الشرع فيها عدم التعليل تحقيقا للامتثال.


مقاصد- علم المقاصد- المقاصد الشرعية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع