مدونة الأستاذ محمد أيت سدي امحمد


المقال الافتتاحي لكتاب "رسالة إلى معلِّمي"

الأستاذ محمد أيت سدي امحمد | Mr MOHAMED AIT SIDI MHAMED


11/10/2023 القراءات: 992  



▪︎طوقان يرد على شوقي وأنا أعلق على طوقان..
قبل أزيد من 13 عاماً، بالضبط في شهر ماي 2010، طلب مني بعض الأساتذة الأفاضل أن أقدم دورة تدريبية بعنوان كيف تكون مدرساً فعالاً؟ وذلك لفائدة الطلبة الأساتذة بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بمدينة أسفي المغربية، وكان من بين ما وقعت عليه يداي وأنا أحضر لتقديم الدورة لأول مرة مطارحة شعرية بين شاعرين عظيمين هما أحمد شوقي وإبراهيم طوقان. فبعد أن نظم الأمير أبياته الشهيرة :
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا *** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي *** يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
رد عليه طوقان من وحي معاناته مع التعليم (إذ كان معلماً) بقوله :
ويكاد (يَفلقنـي) الأميـر بقولـه *** كاد المعلــم أن يكـون رسـولا!
لو جرّب التعليمَ (شوقي) سـاعـة *** لقضـى الحيـاة شقــاوة وخمـولاً
أعجبني أنذاك كيف عظم شوقي مقام المعلم ومكانة التعليم ومهنة التدريس، وبالمقابل كيف نظر إلى المعلم من هو مثلهم ويعيش بينهم ويزاول مهنتهم ويعاني معاناتهم ويحيى واقعهم.. فجاءتني حينذاك هذه (الأبيات) على وزن ما قال إبراهيم طوقان وليس رداً عليه (فلست شاعراً ولا في مقام من يرد على الشعراء المبتدئين فضلاً عن الأكابر) لكني كتبت:
ويكاد يُقلقنـي (طوقان) بوصفـه *** حيـاة التعليم شقــاوة وخمـولاً
لو قدر (إبراهيم) عِظم الرسالة سـاعـة *** لأدى الرسالة مستمتعاً مسرورا
نعم.. إني أؤمن منذ زمن أن رسالة التعليم عظيمة وأن من يحمل هم هذه الرسالة ويتحمل مشاقها لا يقل عظمة عن عظم الرسالة نفسها إذا كان يؤديها بصدق وأمانة ويعامل من يتعلم على يديه معاملة الأب لابنه والمربي لمريده والشيخ لتلميذه.
▪︎أمي أُمِّية لكنها مدرستي الأولى..
كانت أمي - رحمها الله تعالى - امرأة أمية لكنها واعية فكانت تقدر العلم والمعلمين، فربتنا أحسن تربية وعلمتنا بفطرتها معنى التوحيد والإخلاص لله والإيمان به ركناً ركناً وأرضعتنا المبادئ والقيم النبيلة قطرة قطرة وعلمتنا الآداب والأخلاق الفاضلة نقطة نقطة. كان دعاؤها المعروف المشهور الذي تنطق به في كل زمان وتدعو لنا به في كل مكان : أسأل الله أن يجعلكم مباركين أينما كنتم وأينما حللتم وارتحلتم. هذا قبس من نور وغيض من فيض وقليل من كثير مما كتبت عن أمي الحنون في كتاب "علمتني أمي (هي في قلبي)" ولن أوفيها حقها بل ولو حقاً بسيطاً من حقوقها حتى إن كتبت الصفحات ونظمت الأبيات وألفت المؤلفات، فقد كانت بحق مدرسة كما وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم :
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها *** أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا *** بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى *** شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
▪︎أبي علمني تزكية النفوس قبل ترتيب الحروف..
أما أبي - رحمه الله تعالى - فقد كان إمام مسجد وكان أول معلم لنا في المنزل والمسجد والمسيد، فعلمنا الحروف الهجائية حرفاً حرفاً ثم علمنا تركيب الجمل كلمة كلمة لكنه كان معلماً عظيماً فلم يفته أن يعلمنا مع الحروف العيش بكرامة كِسرة كِسرة فزرع في دواخلنا تقدير الذات وعزة النفس بذرة بذرة كما دربنا على المثابرة والطموح وبلوغ الهدف خطوة بِخطوة، وعلمنا المبادرة وتحدي الصعاب وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً يسرا.
لن تكفيني هذه الرسالة للتعبير عما بداخلي تجاه أبي العزيز، لذلك فصلت في هذا وجمعت ما بخاطري وما جادت به علي قريحتي وما هطل من كلماتي في كتاب "حدثني أبي"، فهو فخري ومجدي كما عبر الشاعر إيليا أبو ماضي عن ذلك حين أبدع بقوله :
لعلّي أفي تلك الأبوة حقها *** وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب *** وأكبر فخري كان قولك : ذا إبني !
أبي ! وإذا ما قلتها فكأنني *** أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى *** فيرجع ريّان المنى ضاحك السن ؟
فإلى معلماي الأولين (أمي وأبي) أقول : (رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، فلولاكما ما كنت شيئا مذكوراً وكل ما حققته في حياتي كان بتوجيهاتكما النيرة ودعمكما لي بالغالي والنفيس وقبل كل ذلك بدعواتكما في سكون الليل وثقتكما في قدراتي وحبكما اللامشروط.. فأحسب أنكما تركتما أولاداً صالحين وبنات صالحات يدعون لكما بالرحمة والمغفرة ليل نهار.. فأسأل الله أن يجدد عليكما الرحمات ويغفر لكما الزلات ويبلغكما أعلى الدرجات ويجمعنا بكما في فردوس الجنات.
إذا الشُّكرُ قال: إلى مَن سأُهدَى *** أقولُ: افتخارا لمَن رَبَّياني
تقاصرَ شُكري أمامَ اعتزازي *** بأَحرُف نور بها سمَّياني
فإن لم أوفِّ مُسمى لشَخصي *** فكيف أوفّي لمَن رعَياني
وكيف سأشكرُ فضلَ اصطبار *** عليَّ وحبّ سَناه احتَواني
▪︎المعلم محفز وصانع للأمل..
إن الأب الحقيقي ينبغي أن يكون معلماً لأبنائه وبناته كما أن المعلم الحقيقي ينبغي أن يكون أباً حانياً وصديقاً وفياً لتلاميذه، كما يجب عليه أن يرقى بنفسه وبطلابه نحو الأفضل وأن يشعل جذوة النور في عقولهم ويربيهم على حب التعلم مدى الحياة داخل القسم وخارجه.. فالمعلم الحق صانع للأمل.
▪︎المعلم يؤدي رسالته ويطور نفسه.. بالمقابل، إن المعلم الذي يتكبر ويتجبر في المدرسة ويتعالى ويختال على طلابه ويتصيد أخطاءهم إن هم أخطأوا ويستهزئ بأجوبتهم إن هم أجابوا وينكر عليهم إن هم أجادوا ولا يشجعهم على الإبداع والابتكار إن هم بادروا ولا يحفزهم على البحث والاستكشاف إن هم أرادوا ولا يقبل أسئلتهم إن هم لها طرحوا، إنما هو معلم روتينيٌّ كسول رتيب كئيب لا يسمن تدريسه ولا يغني من جهل..


رسالة إلى معلمي، يوم المعلم العالمي، رسائل مدونين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع