مدونة رعد حميد توفيق البياتي


اثر العقيدة الصحيحة في تقوية الترابط المجتمعي

رعد حميد توفيق البياتي | raad hameed tawfeeq


16/12/2019 القراءات: 4637  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المعلوم ان كل إنسان يحمل في قلبه عقائد ومفاهيم تخصه عن مختلف القضايا التي يتوجه إليها اهتمام الناس، استقى هذه المعلومات من مصادر مختلفة أهمها: كتب ورجال ملته، وعن طريق والديه ومجتمعه، كما أن للقصص والأساطير التي غالباً ما تنتشر بين الناس أثراً في تكوين ذلك، وفي وقتنا الحاضر تحتل وسائل الإعلام مكانة عظيمة كموجه ومؤثر على الفكر على السلوك، وتكوين العقائد والمفاهيم.وعلى هذا فالخطوة الأولى التي يعتني بها الإسلام هي تنقية وتطهير قلوب معتنقيه، من العقائد والظنون السيئة الموروثة لديهم؛ لان من المهم على السائر في درب تقويم سلوكه وسلوك مجتمعه ان ينقي القلب قبل ان يظهر عليه اثار الايمان ولانه يجب التخلية مما سوى الله ثم التمليه بما اراده الله تعالى.
يتم ذلك بتعليمهم الحق، وبيان الباطل ودحضه في جميع المطالب الأساسية التي تشتاق قلوب العباد لمعرفتها، والتي لا بد منها لحصول الهداية للبشر، كمعرفة الخالق تبارك وتعالى ومفهوم العقيدة، وأصل الإنسان، ودوره في الحياة، والحكمة من خلقه، ومصيره وما يكون بعد الموت، وحق خالقه عليه، وغير ذلك من الأمور الغيبية: كالملائكة، والكتب المنزلة، ورسل الله إلى البشر، واليوم الآخر، والقدر.
من أجل ترسيخ هذه المفاهيم المُصلحة للقلب، لا بد من تطهيره من ضدها، قال ابن القيم رحمه الله:"قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده"، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان، فكذلك في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان موضع القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع"( ).وقد أكد سبحانه هذا المعنى بقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، فقدم سبحانه الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله تنبيهاً إلى وجوب تخلية القلب من الضد، فلا يصح إيمان بالله وإيمان بشيء من الطواغيت، كما لا يكفي براءة من الطاغوت بدون إيمان بالله، فلا بد من تطهير تصاحبه تزكية.
هكذا في جميع المطالب الإلهية فإنه يجب على المسلم أن يتبرأ من الباطل فور انكشافه له، ويلتزم الحق، والمؤثر الأهم في تحقيق هذا المطلب هو العلم المستقى من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أن العلم هو المؤسس والمغذي للعقائد والعواطف، وعلى هذا فلا يتصور إيمان بلا علم، ذلك أن الإيمان هو علم صدقه القلب وقبله وانقاد لموجبه، إلا أنه قد يوجد علم بلا إيمان.
إلا أنّ الساحة الإسلامية لم تخل من القائمين بدين الله الداعين إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وسلف الأمة الصالح، مبتدئين بالدعوة إلى تطهير الاعتقاد، وتطهير الفكر والسلوك، وكل ما أدى إليه أو نتج عنه، ملتزمين بأخذ العلوم من منابعها الصافية، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح مقتفين أثرهم في العبادات والسلوك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
إنّ الأثر الأول للإيمان وصلاح العقيدة في تقويم سلوك الفرد والمجتمع هو تطهير القلوب من الاعتقادات الباطلة، وما ينتج عنها من الظنون الرديّة المُرْدِية.وهو:
1. إنّ ذلك يكون بالعلم بالله وبحقه ودراسة ذلك من خلال البيان الوارد في الكتاب والسنة، وفق منهج السلف الصالح ، وإنّ المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى هذا الأثر، وإنّه يكون بتبني العلماء العاملين والدعاة على مستوى الأفراد والجماعات .
2. ويكون بالتربية على المعاني الطيبة والأخلاق الحميدة عن طريق المداومة على صحبة الصالحين والعلماء العاملين.
كما يعد المجتمع متماسكاً قوياً إذا كانت الرابطة بين أفراده قوية والتزامهم بها شعوراً وولاء قوياً.
لكن تماسك المجتمع وقوته لا تعني أنه يسير على الحق والهدى والصراط المستقيم، ذلك أن القوة غير الهداية وإنما تمام الأمر أن تقترن القوة بالهداية الى العقيدة الصالحة، فتكون القوة مجندة لنشر الحق والدفاع عنه، والحق موجهاً للقوة، وعلى هذا فالمجتمع السليم المهتدي هو الذي يسير على الهدى الذي جاء به الوحي المطهر النازل على أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم.
ذلك المجتمع هو: الذي ربط بين أعضائه رباط الإيمان واخوة العقيدة وشدهم التوحيد والشعور بالانتماء إليه، وبمسئولية نشره والدفاع عنه، وقَوِيَ ولاؤهم جميعاً له، واتّحدت أهدافهم التي يؤمّلونها في الدنيا والآخرة، وحُكِموا جميعاً بنظامه وشرعه، وتعاملوا بأخلاقه والحقوق التي أوجبها لكل منهم.
ولذلك فإن الرابطة العقائدية هي أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع المتراص المسلم، وبالتالي فهي أهم وأقوى الحصون التي تحصن المجتمع من كيد أعدائه وأفكارهم المسمومة.
بهذا يكون الإسلام قد أبطل جميع الاعتبارات -غير رابطة الأخوة العقائدية- أن تتخذ رابطة ولاء كرابطة ولاء وأخوة وتناصر، وأبقاها روابط تعارف وتراحم، تعتبر في الأنساب وبعض الأحكام الشرعية كالدية التي تكون على العاقلة، وولايات التزويج، والميراث ونحو ذلك.
إنه يجعل تلك الأخوة علاقة حقيقية تزيد على علاقة الدم والنسب، وتفضلها، وقد كان الإسلام بذلك أول من أقام مجتمعاً على أساس رابطة روحية يجعل لها الاعتبار الأول، ويعتمد عليها في تقرير الحقوق والواجبات. إن بين المؤمنين رباطاً روحياً يتمثل في إيمانهم بإله واحد، واعتقادهم بغاية واحدة للحياة ومصير واحد، ومن أجل ذلك فهم أخوة... هكذا يقرر القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}، وهذا الرباط من القوة والأصالة بحيث جُعل أساساً يتجمع حوله المسلمون دون اعتبار لما تواضع عليه البشر أزماناً طويلة، فلا اعتبار -في المجتمع الإسلامي- للنسب وشرفه، فقد وضع الإسلام عن الناس وزر التفاخر بالأنساب والتعصب لها، ولا اعتبار للجنس، فالإسلام يرفض أن يفترق الناس أجناساً مختلفة، وأن تفصل بينهم فواصل من صنع أيديهم.


الترابط المجتمعي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع