مدونة عدنان فرحان الجوارين


مفهوم ودواعي التنويع الاقتصادي

عدنان فرحان الجوارين | Adnan Farhan Aljawareen


16/10/2020 القراءات: 7921  


يعد تنويع القاعدة الإنتاجية من أهم الأهداف الاقتصادية لإستراتيجية التنمية التي اعتمدتها الدول النفطية لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي ورفع معدلات النمو الاقتصادي , لذا حدثت العديد من النقاشات بين الاقتصاديين حول سياسة التنويع الاقتصادي ومدى أهميتها , وقد قادت هذه النقاشات إلى تعدد تعاريف التنويع الاقتصادي.
اذ يعرف التنويع الاقتصادي (Economic Diversity) على أنه عملية إحداث تغيرات هيكلية في البنية الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الإنتاجية التي ترافق النمو الكمي بهدف تحقيق الرفاهية أو تنويع مصادر الدخل عن طريق تبني أسلوب متوازن للتنمية الاقتصادية قائم على التكامل المدروس بين القطاعات والنشاطات المختلفة.
ويعرف الاقتصادي اتاران (Attaran) التنويع الاقتصادي على أنه "توفر عدد كبير ومتنوع من الصناعات في دولة معينة" ، وفيما يخص البلدان المنتجة للنفط كحالة دولة الإمارات العربية المتحدة فان التنويع الاقتصادي يعني تقليل الاعتماد الكبير على قطاع النفط كمصدر رئيس لإيرادات الميزانية العامة من خلال تنمية قطاع غير نفطي واستحداث صادرات غير نفطية ومصادر إيرادات غير نفطية، فضلا عن أنه يعني ضمنا تقليص دور القطاع العام وتطوير دور القطاع الخاص، أو هو " تهيئة اقتصاد حديث تتوافر له أسباب البقاء خارج نطاق النفط، ويحافظ على مستوى دخل عال نسبيا بعد نهاية عصر النفط".
ويعرف الاقتصاديان ماليزيا وكي (Malizia and Ke) التنويع على أنه " ليس غياب التخصص ولكنه ينعكس بوجود تخصصات مختلفة وصناعات معقدة وروابط قوية داخل الصناعة"، وفي هذا التعريف يوضح الاقتصاديان أن التنويع يتطلب وجود تخصصات متعددة داخل الاقتصاد بمعنى تنوع الأنشطة والقطاعات والصناعات ووجود روابط قوية بين الصناعات نفسها أي روابط جذب أمامية وخلفية.
ويرى الاقتصادي واجنر (John E. Wagner) أنه كلما ارتفعت درجة التنويع الاقتصادي في اقتصاد بلد ما كلما أصبح الاقتصاد أقل حساسية للتقلبات التي تسببها العوامل الخارجية.
من خلال ما تقدم يتضح أن التنويع الاقتصادي في البلدان المنتجة للنفط يهدف بشكل أساس لتنويع القاعدة الإنتاجية من أجل ضمان استقرار إيرادات الدولة وعدم تعرضها للهزات والأزمات الناتجة عن الاعتماد على سلعة وحيدة (كالنفط مثلا) كمصدر رئيس لتلك الإيرادات، بمعنى أن التنويع الاقتصادي يحد من أثر الصدمات على الاقتصاد, ويوفر الاستقرار الاقتصادي الذي يعد هدفا أساسيا لأية دولة، ولتحقيق ذلك يجب رفع مساهمة بقية القطاعات (غير النفطية) في الناتج المحلي الإجمالي مقابل انخفاض مساهمة القطاع الرئيس (النفطي) لكن دون تخفيض الإنتاج النفطي أو الصادرات النفطية.
(1-2) دواعي التنويع الاقتصادي:
هناك تحديات كبيرة تواجه الدول المنتجة للنفط في إدارة اقتصادياتها الريعية والمعتمدة على سلعة شبه وحيدة في الصادرات هي النفط لأن أسعار وإيرادات النفط شديدة التقلب ومن الصعب التنبؤ بها فضلاً عن ذلك أن هذه الدول يتعين عليها أن تخطط للمستقبل وتضع في اعتبارها أن النفط سلعة ناضبة وبالتالي تخطط لما بعد نضوب النفط .
ويمكن إيجاز أهم دواعي التنويع الاقتصادي بالآتي:
1- إن التنويع الاقتصادي سوف يوفر حماية ضد الظاهرة الطبيعية التي يطلق عليها بالمرض الهولندي، وتحدث هذه الظاهرة عندما تقوم الدول النفطية باستغلال ثرواتها الطبيعية بما فيها النفط مما يؤدى إلى زيادة صادراتها النفطية، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية قياساً بالعملة الأجنبية، ومن ثم يؤثر سلباً على ارتفاع أسعار السلع المحلية، وبالمقابل يؤدي إلى انخفاض قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية، ونتيجة لذلك ترتفع الواردات وتنخفض الصادرات من المنتجات غير النفطية.
2- يساهم الاعتماد الكبير على الموارد النفطية في تخفيض الإنتاجية وبالتالي تخفيض القدرة التنافسية للقطاعات غير النفطية فضلا عن تخفيض قدرتها على خلق فرص عمل جديدة وتخلق فجوة كبيرة في الإنتاجية سواء إنتاجية العمل أو إنتاجية رأس المال بين القطاع النفطي والقطاعات غير النفطية، فعلى سبيل المثال في عام 2005 بلغت إنتاجية العمل في دول مجلس التعاون الخليجي (1,6) مليون دولار أمريكي لكل عامل في قطاعات النفط والغاز، في حين بلغت هذه الإنتاجية فقط (9300) دولار لكل عامل في قطاع البناء.
3- إن القطاع النفطي بشكل عام ليس من القطاعات القادرة على استيعاب الأيدي العاملة بسبب اعتماده الرئيس على الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة (كثيف رأس المال خفيف العمل)، فضلا عن أن نوعية العمالة التي يتطلبها هذا القطاع هي من النوع الذي يتطلب مستويات مهارة عالية نسبيا وحتى في البلدان منخفضة السكان نجد أن الصناعة النفطية لا تستطيع أن تولد بصورة مباشرة فرص عمل كافية ، لذا فالتنويع بعيدا عن النفط من شأنه أن يؤدي إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى ( كالزراعة والصناعة التحويلية والسياحة) مما يكون له الأثر الواضح في استيعاب القوى العاملة وتقليل نسبة البطالة في الاقتصاد .
4- يقلل التنويع الاقتصادي من خطر الانكشاف الاقتصادي الذي يخلقه الاعتماد على سلعة تصديرية واحدة بدلا من الاعتماد على قاعدة تصديرية متنوعة التي من شأنها أن تحقق استقرار اكبر في العائدات ومن ثم عملية التخطيط وبالتالي على النمو الاقتصادي والتنمية .
وفيما يتعلق بجانب الواردات ، من شأن التنويع الاقتصادي أن يخلق قطاعاً تجارياً خارجياً أكثر توازناً ، إذ نجد أن غالبية الدول النفطية تستورد كل شي عدا النفط ، الأمر الذي يعرض هذه الدول إلى أخطار عديدة من أهمها إلغاء بعض الواردات الضرورية في حالة حصول خلافات سياسية مع الدول المصدرة لهذه المواد .
5- إن تعديل بنية الاقتصاد الوطني من خلال إعطاء دور أكبر للقطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة، سيقلل من تأثيرات الصدمات التي يحدثها انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد القومي .


التنويع الاقتصادي - المفهوم - دواعي التنويع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع