المكتبات في العالم الإسلامي
بنطالب مولود | BENTALEB MOULOUD
11/12/2023 القراءات: 1277
كان للنهضة الثقافية في العالم الإسلامي،التي أعقبت عمليات الترجمة الواسعة للمؤلفات الفكرية والعلمية للحضارات القديمة اليونانية بالأساس دورا كبيرا في إنشاء المدارس وكذا إغناء المكتبات، وتأتي هذا كذلك بفضل العناية التي أولاها الخلفاء والأمراء ونخب المجتمع.
1- وقفة عند أنواع المكتبات:
أ- في المشرق:
كان العصر العباسي أهم مرحلة في هذا التحول لاسيما أنه استفاد بشكل كبير من تجارب البلدان التي فتحها، فبلاد فارس التي اقتبس منها طريقة إنشاء الدواوين كإدارات مكلفة بالتدوين والأرشفة وأصبح الكاتب بالتالي ذو حضوة خاصة لدى الخلفاء، وكان يختار من لدنهم من عالية القوم المشهود لهم بالعلم والبلاغة. على الرغم من انشغال الخلفاء بأعباء الحكم والتوسعات، فإن لا أحد منهم يخلو قصره من تواجد كبار الكتاب والمترجمين والشعر والفكر وكتاب السير والتاريخ، وما فتئت كتبالتاريخ تطل علينا بأسماء هؤلاء الذين يصعب حصر أسمائهم فكيف باستعراض مصنفاتهم وإبداعاتهم، وإن كان هذا لا يمنع من الوقوف عند أشهر هؤلاء الأعلام وهو علامة فريد زمانه في أمور الترجمة والتأليف المسمى " حنين ابن إسحاق" الذي عاصر فترة المأمون وله الفضل في ترجمة ذرر المصنفات اليونانية والفارسية في الطب والفلسفة هذا فضلا على أنه ترجم أزيد من مائة مصنف. واتخذ الفاطميون قصورهم مراكز لنشر الثقافة الشيعية وألحقوا بها مكتبات تضم مئات الآلاف من المصنفات والمخطوطات، وكان قصر واحد يضم أربعين خزانة تحتوي على ثمانون ألف مجلد ترجع للعصور القديمة، كما أنهم حولوا جامع الأزهر إلى جامعة تدرس العلوم والآداب واستغل مسجد عمر بن طولون كمركز ثقافي في عهد الطولونييين.
ب- في بلاد المغرب والأندلس:
لم تكن بلاد المغرب والأندلس بمعزل هي الأخرى عن الطفرة الثقافية والعلمية التي شهدتها بلاد المشرق، حيث انتقلت حمى التنافس إلى ملوك المغرب، فها هو يوسف بن تاشفين يقوم باستدعاء أعيان الكتاب من الأندلس حتى اشتبهت حضوته بني عباس في صدر دولتهم واجتمع له ما لم يجتمع لملك من قبل كالملقب ب "ابن الأحدب" وكان أنبههم عنده أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال. وكانت المكتبة الملكية لابن تاشفين تضم مصنفات نادرة جلبت من الأندلس من بقايا خزانات ملوك الطوائف والأمويين بقرطبة، كما أسس المرابطون جامع ابن يوسف بمراكش وشكل قبلة لكبار العلماء والمفكرين في تلك الفترة ويقصده طالبوا العلم من الأندلس ومن المشرق وكان أهم أقطابه ابن رشد الجد.
على أن الموحدين بالإطلاع على مؤلفات الفكر والفلسفة والعلوم والتصوف. حيث سمحوا بهامش كبير من الانفتاح والحرية في التأليف، الأمر الذي انعكس إيجابا على رصيد المكتبات من المصنفات والكتب، كما أن النخبة الفكرية والسياسية للدولة لم تتوانى هي الأخرى في إنشاء مكتبات خاصة. في الأندلس رغم من الفوضى السياسية وعدم الاستقرار الذي يسود الإمارات الإسلامية هناك، إلا أن الحياة الفكرية والعلمية كانت في أوجهها ولم تتأثر بالظروف السياسية والعسكرية بالرغم من ذلك فالبلاد كانت تشهد تواجد مئات الخزانات والمكتبات بتعدد أصنافها وملاكها.
2- أصناف المكتبات في العالم الإسلامي:
أ- في المشرق:
* المكتبات الكبرى: مكتبة الدولة- المكتبات العامة- مكتبات المدارس- المكتبات الخاصة.
* مكتبات أخرى: مكتبة البلاط- مكتبات المساجد- دور القراءة والحديث- مكتبات المستشفيات- الرياضات.
ب- في المغرب:
* خزانات الكتب الخاصة: الخزانة الملكية- الخزانات الأميرية- الخزانات الوزارية- خزانات الأدباء والشخصيات.
* الخزانات العامة الملحقة: خزانات المساجد- خزانات المدارس- خزانات الجوامع- خزانات الزوايا.
3- ظاهرة الوقف وآثارها في إغناء المكتبات:
أ- المسار التاريخي لوقف الكتب:
تبقى المصادر التي تناولت ظاهرة وقف الكتب قليلة ونادرة نظرا لأسباب عديدة، منها ذلك لخلاف الذي نشب بين فقهاء المشرق حول جواز وقف الكتب من عدمه. باعتبار أن القرآن الكريم أبقى مجال الوقف منحصرا فيما هو تابث. إلا أن مسارنشوء ظاهرة الوقف يعودبنا إلى ظاهرة أخرى سابقة وتتمثل في الإقبال الكبير على نَسْخِ نُسَخِ عديدة للمصحف الكريم لاسيما عهد الخليفة عثمان بن عفان الذي جمع في عهده القرآن الكريم. وكان هذا العمل يعتبر تقربا إلى الله عزوجل وتكفيرا عما اقترف من ذنوب.
ومصادر التاريخ تطلعنا بين الفينة والأخرى على بعض أسماء كبار العلماء الذين خطوا بأناملهم نسخا متعددة للقرآن الكريم كالشيخ أبو الشيباني الذي قام بنسخ ثمانون نسخة من المصحف الكريم ووضعها في مساجد الكوفة.
ب- نموذج الكتب الموقوفة:
* كتاب" العبر" ابن خلدون.
- العنصر الأول البسملة والتصلية:
استهل ابن خلدون وقفيته بعرف دأب عليه الجميع حيث استهل بالبسملة والتصلية ثم عمل ابن خلدون بعد ذلك إلى استعراض أفعال مترادفة تدل كلها على صيغة الوقف سعيا منها لامتصاص تعدد الخلاف بين الفقهاء على ظاهرة وقف الكتب، فقد وظف لفظة حبس وسبل ومتكؤه في ذلك الحديث النبوي الشريف ( حبس الأصل وسبل الثمرة)فتوظيف كلمة الأحباس يرجع إلى كونه مصطلحا مالكيا يستعمله المالكية وباعتبار ابن خلدون ينحدر من هذه الطائفة.
بعد ذلك مر ابن خلدون إلى توظيف مصطلح آخر وهو أبد تأكيدا منه على تخليد هذا الوقف وهذا ما صار عليه الحنفية. أما لفظة حرم فإن استعمالها نادر ولم يتم الاستعانة بها إلا لزيارة تأكيد إصراره على الوقف.
- العنصر الثاني: هو اسم الواقف هو أبو زيد عبد الرحمان ابن خلدون.
- العنصر الثالث: هو الشيء الموقوف في هذه الحالة وهو كتاب" العبر".
- العنصر الرابع: هي الجهة الموقوفة عليها وهي جامع القرويين.
- العنصر الخامس: هي الجهة المستفيدة من الشيء الوقوف حيث فسح المجال أمام طلبة العلم الموجودين بحاضرة فاس وليس فقط بجامع القرويين تجنبا لأي تأويل يقف أمام استفادة كافة العلماء قراءة ومطالعة ونسخا.
على سبيل الختم، أن البحت في المكتبات في العالم الإسلامي لازال يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعمق في تناوله بشكل علمي وأكاديمي.
المكتبات، المشرق، بلاد المغرب والأندلس، ظاهرة الوقف.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة