مدونة أ. د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
ضوابط الزواج بالصغيرة في الفقه الإسلامي
أ. د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي | mahmoud abduelaziz yousif
04/08/2020 القراءات: 5081
ضوابط الزواج بالصغيرة في الفقه الإسلامي
ليس في الشريعة تحديد لسن زواج الرجل أو المرأة، وقد أجمع أهل العلم على جواز تزويج الصغيرة إذا زوجها أبوها من كفء. وأما البالغة، فلا يشترط أن يزوجها أبوها، بل يزوجها سائر الأولياء، ويشترط إذنها ورضاها. وبلوغ الأنثى يحصل بواحد من أربعة أمور:
تمامُ خمس عشرة سَنَةً - إنباتُ العَانةِ - إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً - الحيضُ.
وقد دل الكتاب والسنة على صحة تزويج الصغيرة وهي التي لم تبلغ بعد، وعدم تحديد ذلك بسن معين.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا زوج الرجل ابنته البكر، فوضعها في كفاءة، فالنكاح ثابت... أما البكر الصغيرة، فلا خلاف فيها. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها، وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ فجعل لللائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق، ولا إذن لها فيعتبر.
وقالت عائشة رضي الله عنهما: (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع) متفق عليه، ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها، وروى الأثرم، أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست، فقيل له، فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي، وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما" انتهى من "المغني" (7/ 30).
واتفق الفقهاء على أن الصغر في الشرع ينتهي بالبلوغ.
جاء في (الموسوعة الفقهية): واصطلاحا هو: وصف يلحق بالإنسان منذ مولده إلى بلوغه الحلم. اهـ.
فلا يصح شرعا أن تبلغ البنت البلوغ الشرعي بالحيض أو غيره، وتوصف مع ذلك بالصغر الذي تتعلق به أحكام شرعية. ومن ذلك مسألة النكاح، فلا خلاف بين أهل العلم في أن من بلغت فليست بصغيرة في هذا الحكم. والبلوغ قد يحصل في سن مبكرة كالعاشرة مثلا.
قال البخاري في صحيحه: باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، وقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ﴾ [النور: 59] وقال مغيرة: «احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة». وبلوغ النساء في الحيض، لقوله عز وجل: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ ﴾ [الطلاق: 4] إلى قوله ﴿ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4] وقال الحسن بن صالح: «أدركت جارة لنا جدة، بنت إحدى وعشرين سنة».
ولا يخفى أن هذه الجدة قد تزوجت وسنها صغيرة، وحملت وهي بنت عشر سنين، والحمل علامة قطعية على البلوغ. ومثل هذا ينبغي أن لا يكون محل خلاف. وعليه لا يصح شرعا استنكار بعض الناس لزواج البنت في سن مبكرة، ما دامت قد بلغت البلوغ الشرعي وأطاقت الزواج وأعباءه!!.
وأما الصغيرة التي لم تبلغ، فالسؤال في حقها عن مسألتين:
الأولى: العقد عليها.
والثانية: الاستمتاع بها، بالوطء أو بما دون الوطء.
وجواب السؤال الأول، أن العقد على الصغيرة صحيح عند أكثر أهل العلم، حتى لقد حُكي الإجماع عليه، والحقيقة أنه قد خالف في صحته قلة من أهل العلم، وهم: ابن شبرمة، وعثمان البتي، وأبو بكر الأصم، فقالوا بأنه لا يزوج الصغير ولا الصغيرة حتى يبلغا؛ لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾ (النساء:6).
وذكر السرخسي في المبسوط تعليلهم في ذلك فقال: فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه، حتى إن في ما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات، ولا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعا هو قضاء الشهوة، وشرعا النسل، والصغر ينافيهما، ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ، فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ. اهـ.
واختار هذا القول بعض المعاصرين، كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال في الشرح الممتع: القول الراجح أن البكر المكلفة لا بد من رضاها، وأما غير المكلفة وهي التي تم لها تسع سنين، فهل يشترط رضاها أو لا؟ الصحيح أيضا أنه يشترط رضاها؛ لأن بنت تسع سنين بدأت تتحرك شهوتها وتحس بالنكاح، فلا بد من إذنها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الحق. وأما من دون تسع سنين فهل يعتبر إذنها؟ يقولون: من دون تسع السنين ليس لها إذن معتبر؛ لأنها ما تعرف عن النكاح شيئاً، وقد تأذن وهي تدري، أو لا تأذن؛ لأنها لا تدري، فليس لها إذن معتبر، ولكن هل يجوز لأبيها أن يزوجها في هذه الحال؟ نقول: الأصل عدم الجواز؛ لقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا تنكح البكر حتى تستأذن»، وهذه بكر فلا نزوجها حتى تبلغ السن الذي تكون فيه أهلاً للاستئذان، ثم تستأذن. لكن ذكر بعض العلماء الإجماع على أن له أن يزوجها، مستدلين بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وقد ذكرنا الفرق، وقال ابن شبرمة من الفقهاء المعروفين: لا يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبداً؛ لأننا إن قلنا بشرط الرضا فرضاها غير معتبر، ولا نقول بالإجبار في البالغة فهذه من باب أولى، وهذا القول هو الصواب، أن الأب لا يزوج بنته حتى تبلغ، وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى. لكن لو فرضنا أن الرجل وجد أن هذا الخاطب كفء، وهو كبير السن، ويخشى إن انتقل إلى الآخرة صارت البنت في ولاية إخوتها أن يتلاعبوا بها، وأن يزوِّجوها حسب أهوائهم، لا حسب مصلحتها، فإن رأى المصلحة في أن يزوجها من هو كفء فلا بأس بذلك، ولكن لها الخيار إذا كبرت؛ إن شاءت قالت: لا أرضى بهذا ولا أريده. وإذا كان الأمر كذلك فالسلامة ألا يزوجها، وأن يدعها إلى الله - عزّ وجل - فربما أنه الآن يرى هذا الرجل كفئاً ثم تتغير حال الرجل، وربما يأتي الله لها عند بلوغها النكاح برجل خير من هذا الرجل؛ لأن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى. اهـ.
د. محمود عبدالعزيز يوسف
أستاذ الفقه المقارن
محمود عبدالعزيز - بحث فقهي- الزواج بالصغيرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعادة الاستاذ الدكتور محمود عبدالعزيز يوسف.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وانتم بخير. ماشاء الله تبارك الله مقال مميز وممتاز، وفيه إجابة شافية لمن يرفضون تزويج الصغيراتولو كن بالغات وظهرت عليهن علامات البلوغ التي تفضلت بذكرها، وحجتهم في ذلك انها صغيرة، وهل تعتبر صغيرة من صارت او يمكن أن تصير أما إذا زوجت؟ وكم في زواج الصغيرات من حفظ لهن وللمجتمع من الفاحشة والرذيلة خاصة في زمن إثارة الغرائز والشهوات بالافلام وأغاني الحب والغرام والفيديو كليبات وغيرها من وسائل تهييج الشهوات للوقوع في الزنا والحرام. زادك الله علما وتقى ورفعة ونفع بك وبعلمك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتور محمود عبدالعزيز بارك الله فيك وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال مقال جميل شافي وكافي لمن يريد أن يطبق الكتاب والسنة في حياته وفي سائر معاملته. قبسات: 1/ جاء في صفحات المقال أن الزواج يبنى على الرضى والتعارف والألفة من بلغت التاسعة من عمرها وخرج منها دم الحيض ورقة الصوت زواجهارضاها. 1/ من خلال قرائتي للمقال ان الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد ورفع الضرر عن المرأة فالزواج مصلحة للعباد به الولد وقضاء الشهوة وحفظ النسل. 2/ يجوز للأبِ ان يزوج بنتِه الصغيرةِ التي لم تبلغ سن التاسعة من عمرها دون اذنها لمن يراه مناسبا كما فعل ذلك الخليفة الأول أبوبكر صديق رضي الله عنه وأرضاه عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة وكان ذلك بإذن أبيها أبي بكر الصديق ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى كبرت وبلغت سن المحيض ودخل بها وهي بنت تسع سنين. الكاتب اختار الموضوع بعناية فائقة ودقة يستحق الإشادة .
مواضيع لنفس المؤلف