مدونة الدكتور حميد ابولول جبجاب


دراسات في تاريخ العراق المعاصر (أحداث 1958 في العراق ،انقلاب أم ثورة ؟ )/ الجزء الثاني

الدكتور حميد ابولول جبجاب | heemed Apoulol Chibchab


28/07/2024 القراءات: 311  


تسببت الثورة في لبنان على نظام الرئيس شمعون المؤيد للغرب، والخشية الناجمة في بغداد وعمان من احتمال امتداد الثورة إلى الأردن في إذكاء شرارة، الانقلاب. تلقى اللواء العشرون الذي يتولى فيه عارف أمرية إحدى الكتائب، أوامر بالتحرك إلى الأردن لمساندة قوات الملك حسين قرر عارف و قاسم، المسؤول عن اللواء التاسع عشر التحرك. حاولت اللجنة المركزية ، التي تعرف بأوامر التحرك الاجتماع عدة مرات للتخطيط للانقلاب، ولتوزيع المناصب في الحكومة الجديدة. حالت الخلافات دون تحقيق هدفهم في إحدى المرات؛ وفي المرة الثانية، تفرق الاجتماع لأسباب لم يجر إيضاحها. ولاحقا اتهم البعض قاسم بالمناورة كي يتولى قيادة الحركة بنفسه . و على أية حال، فإن ثلة من الضباط فقط كانت على علم بالانقلاب. وكان على عارف التحرك صوب بغداد، في حين بقي قاسم مع لوائه في جلولاء بحجة منه " كقوة مساندة في حالة مواجهة مقاومة ومن ثم التحرك ببطء صوب المدينة فيما بعد" . وهنا أود أن اذكر على تردد قاسم من التواجد في بغداد حادث أنور السادات في انقلاب ١٩٥٢ في مصر وعند الاتفاق مع الضباط الأحرار بقيام ساعة الصفر اخذ زوجته إلى دور السينما لمشاهدة عرض سينمائي وافتعل مشاجرة داخل الدار وتسجيل شكوى في مركز الشرطة ، وأراد أن يثبت إن في حال فشل الانقلاب فأن بريء من التأمر مع الضباط الأحرار وهناك شكوى رسمية في المركز وبعد وصوله إلى البيت وعلمه بنجاح الانقلاب توجه إلى وزارة الدفاع ومشاركة الضباط الأحرار في الانقلاب . وبسلسلة من المناورات الذكية، استطاع عارف تحييد المعارضة للانقلاب ضمن اللواء العشرين. وبمساعدة المقدم عبد اللطيف الدراجي، الذي كان أمراً للكتيبة الأولى علاوة على كونه صديقا ومن الضباط الأحرار، تسلم عارف قيادة اللواء بنفسه وبدأ التحرك صوب بغداد. وفي الساعات الأولى للرابع عشر من تموز، احتل محطة الإذاعة واتخذها مقراً له. وألقى عــارف بنفسه البيان الأول للثورة من الإذاعة، بالنيابة عن القائد العام للقوات المسلحة (الذي لم يُذكر اسمه). والذي جاء في نصه" بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الشعب الكريم، بعد الاتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية. إن الجيش منكم وإليكم، وقد قام بما تريدون وأزال الطبقة الباغية التي استهترت بحقوق الشعب، فما عليكم إلا أن تؤازروه. وأعلموا أن الظفر لا يتم إلا بترصينه والمحافظة عليه من مؤامرات الاستعمار وأذنابه وعليه فإننا نوجه إليكم نداءنا للقيام بإخبار السلطات عن كل مفسد ومسيء وخائن لاستئصاله. ونطلب منكم أن تكونوا يداً واحدة للقضاء على هؤلاء والتخلص من شرهم. أيها المواطنون، إننا في الوقت الذي فيه نكبر فيكم الروح الوطنية الوثابة والأعمال المجيدة، ندعوكم إلى الإخلاد والسكينة والتمسك بالنظام والتعاون على العمل المثمر في سبيل مصلحة الوطن. أيها الشعب، لقد أقسمنا أن نبذل دماءنا بكل عزيز علينا في سبيلكم، فكونوا على ثقة واطمئنان بأننا سنواصل العمل من أجلكم وأن الحكم يجب أن يعهد إلى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه وهذا لا يتم إلا بتأليف جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة العراقية الكاملة وترتبط برباط الأخوة مع الدول العربية والإسلامية وتعمل بمبادئ الأمم المتحدة وتلتزم بالعهود والمواثيق وفق مصلحة الوطن وبقرارات مؤتمر باندونغ. وعليه فإن الحكومة الوطنية تسمى منذ الآن (الجمهورية العراقية). وتلبية لرغبة الشعب فقد عهدنا رئاستها بصورة وقتية إلى مجلس سيادة يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية ريثما يتم استفتاء الشعب لانتخاب الرئيس. فالله نسأل أن يوفقنا في أعمالنا لخدمة وطننا العزيز انه سميع مجيب. العقيد الركن عبد السلام محمد عارف
عن القائد العام للقوات المسلحة الوطنية"
ومن خلال قراءة البيان فأن عارف شجب الامبريالية والطغمة الحاكمة، وأعلن عن قيام الجمهورية ونهاية النظام القديم، المحدد بقصر الرحاب ونوري السعيد، وأعلن عن تشكيل مجلس سيادة مؤقت يضم ثلاثة أعضاء لتولي واجبات الرئاسة ووعد بانتخاب رئيس جديد في المستقبل. وفي غضون ذلك، تم إرسال سريتين من كتيبته، الأولى إلى قصر الرحاب للتعامل مع الملك وولي العهد، والأخرى إلى مقر إقامة نوري. ومن خلال قراءة البيان الأول فأن هناك توجه واضح سواء من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف بالقضاء على العائلة بأكملها ولا يوجد ثمة شك حول طبيعة الأوامر المعطاة إلى المجموعة المرسلة إلى قصر الرحاب، لكن من الواضح أن ولي العهد لم يقاوم، على الرغم من رغبة رئيس الحرس الملكي بالمقاومة. فلو قاوم الحرس الملكي، لربما تم إخماد الانقلاب من قبل التدخل البريطاني أو حتى الأمريكي والقضاء على المتمردين . وبهذا التصرف أنهى حياته وحياه العائلة المالكة ، ومن خلال ما ذكر من تعريف ووقائع وإحداث العراق في صبيحة يوم ١٤ تموز1958 يبقى للقارئ أن يحدد أن كان انقلاب أو ثورة كما يطلق عليها بعض أنصار القائد الأوحد عبد الكريم قاسم أو كما يسميه المصرين " نجيب الثورة العراقية " في إشارة إلى محمد نجيب الجنرال المصري والتي ستكون لنا فيها مقالات قادمة أن شاء الله .

الهوامش المصادر
١.طباخات الرطب نضوج التمر في العراق في أيام تموز وتكون درجات الحرارة مرتفعه جدا .
١. الدكتورة فيبي مار، تاريخ العراق المعاصر العقد الجمهوري الأول .
٢.حنا بطاطو، الطبقات الاجتماعية القديمة .
٣. روني غابي ، الشيوعية والإصلاح الزراعي في العراق


التاريخ ، انقلاب ، ثورة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع