مدونة الدكتور حميد ابولول جبجاب


ايران وتركيا سنوات من الصراع /الجزء الأول

الدكتور حميد ابولول جبجاب | heemed Apoulol Chibchab


08/02/2023 القراءات: 1671  


تُعدُّ كلُّ من تركيا وإيران ذات أهمية جغرافية نظراً لإشرافهما على طرق المواصلات البرية والبحرية التي تربط بين أوروبا وآسيا، فقد أكسبهما الموقع المتميز فرصة التحكم والسيطرة والإشراف على منافذ بحرية وطرق برية قديماً وحديثاً، فضلاً عن ذلك قربهما واحتضانهما لمنابع النفط والمياه، كل ذلك إضافة إلى موقعهما الجيد الذي أكسبهما أهمية استراتيجية في المصالح الإقليمية والدولية، وهذا ما سنوضحه في الأسطر القادمة.
تقع تركيا في موقع مهم بين قارتي آسيا وأوروبا في وسط مثلث البلقان، والقوقاز والشرق الأوسط بمساحة(786 ألف كم2)، فعبر تركيا تمر الخطوط البرية والبحرية من أوروبا إلى آسيا إضافة إلى إيران، وتوصل روسيا مع منطقة الشرق الأوسط من خلال البحر الأسود، فضلاً عن ذلك فإن تركيا هي الأغنى بالمياه في الشرق الأوسط فالنهران (دجلة والفرات) ، ذوا الأهمية الكبرى في سوريا والعراق ينبعان من تركيا، وتُعد تركيا من البلدان الزراعية إضافة إلى غناها بالموارد الطبيعية مثل، الحديد، والفحم، والكروم، والنحاس، كما يغطي إنتاجها من النفط ثلث حاجتها منه.
أما إيران فتمتد بين خطي عرض (25-40) شمالاً وتشكل موقعاً متوسطاً مهماًّ في الشرق الأوسط، وتُعد المعبر الرئيس للمواصلات بين منطقة الشرق الأقصى في آسيا والبحر المتوسط وأوروبا، وهي تتمتع بموقع جغرافي تطل من خلاله على ثلاثة بحار هي: (بحر قزوين والخليج العربي وخليج عمان) الذي يتصل بالمحيط الهندي، وإيران تقع في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وهي تشغل مساحة قدرها (1,648,000) مليون كيلومتر مربع، وهي أكبر من مساحة بريطانيا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا وألمانيا مجتمعة، وتعادل خُمس مساحة الولايات المتحدة الأمريكية.
أما عن موقع إيران الجغرافي فيُعد من أهم العوامل المؤثرة في سياستها الخارجية، وقد منحها موقعها الممتاز أهمية دولية، ولا يخفى أن هذه الأهمية قد استفادت منها إيران في أيام الأزمات الدولية.
حيث إنّ هناك تنافسًا دوليًّا للاستفادة منه؛ لذلك كانت الدول الكبرى تسعى لكسب رضا إيران مما منحها حرية الحركة السياسية في النظام الدولي، وحافظ على استقلاليتها ووحدة أراضيها لفترة طويلة، فالاتحاد السوفيتي كان يعدُّ إيران الممر الآمن له نحو المحيط الهندي، أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت تسعى لوضعها في الفلك الاستراتيجي العربي- الأمريكي كما حصل في عهد الشاه في اتفاقية الدفاع المشترك عام 1959م.
تزامن ظهور الدولة الصفوية (1501-1736م)- كأول دولة إسلامية فارسية ظهرت في بلاد فارس بعد سلسلة من الدويلات المغولية والتركمانية التي قامت في أعقاب حكم(هولاكو)- مع نمو قوة الدولة العثمانية وتحولها نحو المشرق الإسلامي في عهد السلطان(سليم الأول) (1512-1520م)، مما أدى إلى دخول الدولتين الصفوية والعثمانية في صراع طويل ومستمر، حاول كل منهما التذرع بشتى الذرائع ليجعل لنفسه حقًّا في حكم العالم الإسلامي بما في ذلك الادعاء بانتسابهم إلى البيت العلوي، كما هو الحال بالنسبة للصفويين وادعائهم بأنهم أحق من العثمانيين في فرض هيمنتهم على المشرق الإسلامي.
ثم بدأ حكم العائلة القاجارية في إيران, رسميا في عام 1796م, عندما استولى (أغا محمد خان قاجار) على الحكم, وأسس دولته بـعد القضاء على التسيب والانحلال الذي شهدته إيران فـي أواخر العهد (ألزندي), وامتد حكمه حتى عام 1797م , واستخدم أقصى أساليب القمع والبطش والإرهاب ضد خصومه.
أصبح النظام القاجاري ثقلاً على عاتق الإيرانيين الذين تطلعوا إلى قيادة تُعيد لهم هيبتهم وسيادتهم وتحسين وضعهم الاقتصادي، في ظل هذه الظروف استطاع (رضا خان) بدعم وتأييد من البريطانيين من القيام بانقلاب عسكري في (21فبراير1921) سمي (انقلاب الحوت) وكان من نتائجه صعود (رضا بهلوي) على المسرح السياسي الإيراني ووصوله إلى رئاسة الوزراء.
وبتاريخ التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923م ظهرت على المسرح السياسي التركي شخصية (مصطفى كمال أتاتورك) الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة بتاريخ يوليو 1923م، وعلى إثرها فاتحت إيران تركيا لبناء علاقات إيرانية تركية قائمة على الاحترام المتبادل لمصلحة الدولتين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وكان(رضا خان) قد تأثر بالسياسة الحديثة التي أعلنت في تركيا ومحاولته السير على خطى (مصطفى كمال أتاتورك) فقد روَّج لفكرة إقامة النظام الجمهوري في إيران منذ العام 1924م، غير أن محاولته باءت بالفشل بسبب موقف المؤسسة الدينية المعارضة لمشروع إنهاء الحكم في البلاد وإعلان الجمهورية.
كانت العلاقات العثمانية – الكردية متوترة وكثيرًا ما كان الأكراد يقومون بانتفاضات ضد الحكم العثماني، لكن بعد إعلان الجمهورية التركية والترويج لسياسة الديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة السياسية الحرة استقرت إلى حد ما العلاقة مع الأكراد.
لذا فإن قيام مجموعة من الأكراد بالإغارة على الجنود الأتراك عام 1927م، في المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدين؛ أدى إلى قيام الصحف التركية بتوجيه أصابع الاتهام وتوجيه اللوم إلى الحكومة الإيرانية بدعم المتمردين الأكراد.


تاريخ صراع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع