سياق أزمة كورونا وآثارها على الاقتصاد العالمي
17/06/2020 القراءات: 3187
إن هذه الأزمة منقطعة النظير لأن هناك أزمة كبيرة من المرجح أن تتضاءل الخسائر التي أشعلت فتيل الأزمة المالية العالمية أمام خسائر الناتج المصاحبة لهذا الطارئ الصحي وإجراءات الاحتواء المرتبطة به، ثانيا على غرار أي حرب أو أزمة سياسية هناك عدم يقين شديد ومستمر بشأن مدة الصدمة ودرجة حدتها، ثالثا في ظل الظروف الراهنة هناك دور مختلف تماما للسياسة الاقتصادية، ففي الأزمات العادية يسعى صناع السياسات إلى تشجيع النشاط الاقتصادي عن طريق تحفيز الطلب الكلي بأسرع وقت ممكن، أما هذه المرة فمعظم الأزمة يرجع إلى تبعات إجراءات الاحتواء اللازمة، مما يزيد من صعوبة تحفيز النشاط، ويجعله أمرا غير مرغوب على الأقل بالنسبة للقطاعات الأكثر تضررا، ومن المرجح أن يمر الاقتصاد العالمي هذا العام بأسوأ ركود تعرض له منذ سنوات "الكساد الكبير"، متجاوزا في ذلك كل تداعيات الأزمة المالية منذ 10 سنوات، فمن المتوقع أن يتسبب "الإغلاق العام الكبير" في انكماش النمو العالمي بشدة، ومن المتوقع حدوث تعاف جزئي في عام 2021، حيث يصبح النمو أعلى من معدلات الاتجاه العام، ولكن على مستوى إجمالي الناتج المحلي سيظل أدنى من الاتجاه العام في فترة ما قبل الفيروس، مع قدر كبير من عدم اليقين حول مدى "قوة التعافي"، ومن الممكن أن تكون نتائج النمو أسوأ بكثير وسيحدث هذا إذا استمرت الجائحة وإجراءات الاحتواء مدة أطول، أو وقع ضرر أكثر حدة على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أو استمر تشديد الأوضاع المالة، أو إذا ظهرت آثار غائرة واسعة النطاق بسبب إغلاق الشركات واستمرار البطالة.
أولا: على مستوى الاتحاد الأوربي
مثلما ينشر فيروس "كورونا" المعاناة البشرية في كافة أنحاء العالم، فإنه ينشر كذلك المعاناة الاقتصادية، فهو ليس فيروسا معديا على المستوى الطبي فقط ولكنه معد اقتصاديا أيضا، ففي 4 مارس 2020 قالت "المفوضية الأوربية" إن إيطاليا وفرنسا معرضتان لخطر الانزلاق إلى الركود، وقال صندوق النقد الدولي إنه يرى أن الاقتصاد العالمي يتجه إلى مسارات أكثر خطورة، وهو الأمر الذي يطرح بدوره عدة أسئلة: كيف وإلى أي مدى وبأي سرعة سوف ينتشر الضرر الاقتصادي؟ وإلى متى سيستمر الضرر؟ وماهي آليات العدوى الاقتصادية؟وفوق كل شيء ما الذي يمكن للحكومات أن تفعله حيال ذلك؟، حاول عدد من خبراء الاقتصاد الإجابة على تلك الأسئلة، واستكشاف مستقبل العالم العالمي في ظل انتشار فيروس كورونا، وذلك عبر أوراق بحثية وتقديرات .
ثانيا: الأسواق المالية والاستثمار
مع مطلع العام الجديد بدا الاقتصاد العالمي في طريقه إلى انتعاش جيد، وأنه لن يتأثر بشدة يتلك التوترات التجارية والسياسية التي كانت جارية حينئذ، فكانت الأسواق المالية منتعشة وتوقعات النمو متفائلة، كل هذا تحول بعد انتشار فيروس كورونا في معظم دول العالم، حيث تضررت الأسهم العالمية حيث يتم شراء وبيع أسهم الشركات، أن تؤثر على العديد من الاستثمارات، خاصة المعاشات التقاعدية أو حسابات التوفير الفردية، وشهدت مؤشرات FTSE" وداو جونز" الصناعي "ونيكي" انخفاضات هائلة منذ بداية تفشي الوباء في 31 دجنبر، وحقق مؤشرا "داو وجونز وFTSE" أكبر انخفاض لهما في يوم واحد منذ 1987، ويخشى المستثمرون من أن يؤدي تفشي وباء كورونا إلى تدمير النمو الاقتصادي، وألا تكون الإجراءات الحكومية كافية لوقف التراجع، واستجابة لهذا الوضع قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة ، ومن المفترض أن تؤدي هذه الخطوة نظريا إلى تقليل تكلفة الاقتراض، وبالتالي تشجيع الإنفاق ثم تعزيز حالة الاقتصاد، كما شهدت الأسواق العالمية تعافيا بعد أن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون المساعدات المالية لمواجهة وباء كورونا بقيمة 2 تريليون دولار لمساعدة العمال والشركات،لكن مع هذا حذر بعض المحللين من أن الأسواق قد تشهد تقلبا إلى أن يتم احتواء الوباء، ووصل عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانة البطالة إلى مستوى قياسي في الولايات المتحدة، مما يشير إلى نهاية عقد من التوسع الاقتصادي في العالم، وتسيطر حالة عدم اليقين حول عمر الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تسبب فيها فيروس كورونا، فمن الواضح أن هذه الصدمة الاقتصادية يمكن أن تسبب آلاما طويلة، وربما تترك ندوبا عميقة أكب بكثير من الأوبئة الأخرى التي كانت تظهر بعد الحروب الكبرى، هذا الوباء مختلف من الناحية الاقتصادية، لأنه ضرب بشدة الدول الاقتصادية الكبرى، فالدول الأكثر تضررا تشمل مجموعة G7، بالإضافة إلى الصين. ورغم تغير البيانات الطبية كل ساعة إلا أنه اعتبارا من 5 مارس 2020، كانت الدول العشر الأكثر تضررا من فيروس كورونا مطابقة تقريبا لقائمة أكبر عشر اقتصاديات في العالم، وتأتي الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ضمن العشر الأوائل الأكثر تأثرا بالمرض.
ثالثا: القوى الاقتصادية العالمية
ولكي ندرك حجم الكارثة، وإذا أخذنا فقط الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، فسنجد أنهم يمثلون 60% من العرض والطلب العالميين (الناتج المحلي الإجمالي)، و65% من التصنيع العالمي و 4% من الصادرات الصناعية العالمية، وبتعبير أحد المحللين الاقتصاديين فإنه:"عندما تعطس هذه الاقتصادات، ستصاب بقية دول العالم بالبرد"، فهذه الاقتصادات ستصاب، خاصة الصين وكوريا واليابان وألمانيا والولايات المتحدة، هي جزء من سلاسل القيمة العالمية، لذا فإن أزماتها ستنتج عدوى "سلسلة التوريد"في جميع الدول تقريبا، لذا من المرجح أن يتضرر قطاع التصنيع العالمي .
السياق، كورورنا،الاثار، الاقتصادم العالمي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
بالتوفيق تدوينة جيدة