بين أدري وأريد محطات// الجزء الأول
د. فاضل يونس حسين | doctor fadhil youns
11/06/2021 القراءات: 3713
أنا أدري وكل مسلم مؤمن موقن يدري فلسفة الحياة، وأنا أريد أن أعمل فيها بموجب وصايا وتوجيهات وإرشادات من علمني وأدراني ودرَّاني، ومكَّنني من أن أريد ما أشاء وأرغب فيما أشاء، ذلكم الله رب العالمين تباركت أسماؤه وعلت صفاته.
أأدري فعلا؟! قد تشك الأغلبية في ذلك، لكن! ألست أعلم أن الله خلقني، ورزقني، وأسبغ عليَّ نعمه ظاهرة وباطنة؟! أنا أعلم ذلك وأدري كما يعلم المسلمون ويدرون.
أنا أدري أنني أدري فأنا من الصنف الأول في تصنيف الرجال بطريقة الرباعيات الفراهيدية (الخليل بن أحمد الفراهيدي وهو أستاذ سيبويه الفارسي ناقل علمه في العربية، بل إن الخليل هو مكتشف علم العروض والبحور والأوزان)، وعنده الرجال أربعة (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر المالكي.):
1. رجل يدري وهو يدري أنه يدري.. فذلك عالم ينبغي أن يسأل ويجب أن يتبع.
2. رجل يدري ولا يدري أنه يدري.. فذلك نائم ينبغي أن نوقظه، [وأنا في تصوري أعده ناسيا لا بد أن يذكَّر].
3. رجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري.. فذلك مسترشد مؤتمن ينبغي أن يرشد.
4. رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.. فذلك جاهل مرفوض منبوذ مستبعد.
أنشد أبو القاسم الآمدي (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر المالكي.):
إذَا كُنْت لَا تَدْرِي وَلَمْ تَكُ بِاَلَّذِي*********يُسَائِلُ مَنْ يَدْرِي فَكَيْفَ إذًا تَدْرِي
جَهِلْت وَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّك جَاهِلٌ********** فَمَنْ لِي بِأَنْ تَدْرِي بِأَنَّك لَا تَدْرِي
إذَا كُنْت مِنْ كُلِّ الْأُمُورِ مُعَمِّيًا******* فَكُنْ هَكَذَا أَرْضًا يَطَأْكَ الَّذِي يَدْرِي
وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ أَنَّك لَا تَدْرِي********* وَأَنَّك لَا تَدْرِي بِأَنَّك لَا تَدْرِي
وهذه الأبيات على ما فيها من صعوبة في الحبك والصياغة والنظم والسبك يراها النقاد مجافية للفصاحة لأن فيها تنافرا بين الحروف وتنافرا بين الكلمات.
ولئن ساقتنا الرباعيات الفراهيدية إلى تصنيف الرجال فإنها كذلك لا محالة تقودنا لتسير بنا إلى تصنيف الأيام بتلازم تام مع الرجال فهو يرى أن الأيام أربعة(جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر المالكي.):
1. يوم أخرج فألقى فيه من هو أعلم مني فأتعلم منه فذاك يوم فائدتي وغنيمتي.
2. يوم أخرج فألقى فيه من أنا أعلم منه فأعلمه فذاك يوم أجري.
3. يوم أخرج فألقى فيه من هو مثلي فأذاكره فذاك يوم درسي.
4. يوم أخرج فيه فألقى من هو دوني وهو يرى أنه فوقي فلا أكلمه فذاك يوم راحتي
وفي هذا المعنى قالوا: كن عالما أو متعلما أو مستمعا، ولا تكن الرابع فتهلك.
ولو تساءلنا هل الناس يدرون، ويريدون فحينئذ تتباين الردود وتختلف الأجوبة بين من أفرغ قلبه للحكمة ومن ألقى فكره للدنيا لها يعمل لا غير.
فربنا تبارك وتعالى علام الغيوب يخبرنا أننا لا ندري إلا القليل، ﵟوَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٥ﵞ [الإسراء: 85]. ومن لديه علم قليل فلا يدري إلا قليلاً، وأكثر ما ندري نحن البشر هو ظاهر سطحي من أمور دنيانا غير عميق ولا يغوص إلى الجوهر، ﵟوَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦ يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ ٧ﵞ [الروم: 6- 7]. فالناس لا يعلمون ولا يدرون وهذه حال الأكثرية منهم.. إذاً فنحن ندري قليلاً، وما ندريه يتعلق بمعاشنا الذي هو محطة في طريق السفر الأخير، وكأنه فندق نزل فيه المسافر ليلة أو ليلة ... ثم ارتحل، ولذا قال معلمنا محمد ﷺ، وهو يوصي أحد أصحابه؛ عبد الله ابن عمر قال: أخذ رسول الله ﷺ ببعض جسدي فقال: «كن كأنك غريب في الدنيا، أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور» (أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد ورواه غيره). وما ذا فعل ابن عمر بهذه الوصية المحمدية البليغة الثمينة؟! يجيب مجاهد قائلاً: وقال لي عبد الله بن عمر: (إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من حياتك قبل موتك، ومن صحتك قبل سقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً) (أخرجه الترمذي في السنن: 4/ 490- 491// رقم 2333، كتاب الزهد، باب ما جاء في قصر الأمل.).
وللحديث تتمة وبقية في الجزء الثاني.
أدري- أعلم- أريد- درى- محطات- الانسان- العلم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
حسنا فعلت بهذا النشر الحميل
ابدعت
أتوق إلى مزيد من المعرفة بين أدري وأريد، ونتنور بما يصدر منه من شعاع واسع، موفقين دائما
جزاك الله خيرا دكتور ذكرتنا بعملاق اللغة العربية الخليل رحمه الله