فِي نَوْبَةِ مُرَّاكُش (خاطِرَة بَجَسَها الزِّلْزال)
د. عبد الرزاق مرزوق | Abderrazak Merzoug
14/09/2023 القراءات: 1368
هي ذي نوبتُك مراكشَ المنكوبة، التي صارت إليها نائبة القرن المحسوبة، فإذا بك في أقل جزء من الزمن ثكلى الثكالى، أنينُ فاجعتك الجُلّى يشتد ويتعالى، وما نشَبْتِ أن صِرْت حديث الفَزَع الكابِر، ومَثَل الوَجَع الأعظم السائر. إنها نائبة النوائب، وفاجعة الشاهد والغائب، تجري - جريان السنن - على قدر محسوب، يهوٍي هَلَعُه الساحب بالغالب والمغلوب، ويمضي مداه المحتوم حيث تمضي مشيئة ربنا القدير، لا تكفه صارفة احتراز أو حيلة تدبير. فما أعجبها من نائبة تختار نَوْبَتَك دون العالمين، وتبغيك بأخذ البلوى دون سواك من السالِمين، وإنك لتدرين ووجع البلوى ينشُرك ويطويك، أن لها مخبوء غيب يعنيك، وأن خيرا في شرها لا محالة يُعْليك، وحكمةً تختارك وتعنيك!.. وما أبلغه من ألم مقيم يزيد، وترقب سالب لسلام البال شديد، وأنتِ من لأوائه تتضورين وتستصرِخين، قد اختلط في شكواك الحنين بالأنين، وبين اختبارك وانتظارك، شجون إيمان ترتقي بثباتك واصطبارك، أن قضاء ربك في حسْبك سُنة واختيار، ووَقْعةُ أقدار ذات أسرار. فمن أسرارها: ما في أثناء ذهولك من مشاهد الحكمة الباطنة، وما في غُضون حيرتك من إشارات الآيات الكامنة، ورّثك إياها أعلامُك السائرون النبلاء، وخلّدت ساحاتُ المعارف لديكِ عِمارَتَها العصْماء، فلا خوف على ذهولك من عاقبة الجهالة، ولا على حيرتك من مآل الضلالة. ألستِ عاصمتنا من قاصمة الأُفول، وحِصنَ أمنِنا النّافي للخبث والغَلول؟!.. ألستِ مأوى أفئدتنا العامر بأنفاس أوليائك وصالِحيك، ومسرح شعائرنا الواصلة بين حاضرنا وماضيك؟!.. فذاك أول سِرٍّ يربِطُ على كل قلب أفرغَتْه الفُجاءة، ويَمُدُّ أمام الحائر المدهوش عَقْدَ الثبات وسَوَاءَه. ومن أسرارها: ما تجدين من أسف الفقد على أصحاب الهدْم من أهلك المردومين، عارفةً ما تأتين تجاه غاشيته وما تذَرِين: أنك محتسِبة صابرة، راضية آيِبَة ذاكرة، لو لا أن الحزن لازم، والدمع مُلِحّ حاكٍم، كيف وهم لدى ربهم شهداء، أحياء منعمون سعداء، مع اختيارك في أمة الختْم المرحومة، وإدراكِك بشارةَ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المعلومة. ثم طفقتِ تطوفين من أهلك على كل جريح ومعطوب، وكل محزون وشريد ومنكوب، تُطْوَى لِنَفَس كرامتك المسافات، وتُشَيِّعك ملائك الغَوث والرحَمات، تُداوين أولئك المُصابين برُقية الثواب، وتُشعِرين أفىدتهم بَرْدَ اليقين والاحتساب: أن المُصابَ عند الرب جل وعلا رافِعٌ، ومُغتسَل للذنب ماحٍ ودافع، ولو كان ألَمَ شَوْكَة، بِبَيانِ تَلْقينٍ تدرين فَرْيَهُ وسَبْكَهْ. ومن أسرارها: إخراج أهل الإسعاف من أمتك، الباذلين أموالهم وأنفسهم في كف عناء محنتك، الآتين من كل حدَب خلال العالم وصَوْب، القاطعين في إجابة استصراخك كل فَجٍّ ونَوب، مُشْفِقين عامِلين، ومُنفِقين كافِلين، فهذه أروع آية لالتئام جسد أمتك الواحد، تعلنين مشهدها العالمي المُفْرِح الرائد، ناظِرةً إلى مُنْيةِ النبي صلى الله عليه وسلم الغاليةِ تتحقق، آمِلَةً أن يدوم عهد اتفاقها كيلا تتنازع بعدُ وتتفرق. ومن أسرارها: ما لقَّنْتِه أهلَك من عرفان التمييز المنير، بين فعل الرب العلي الكبير، وفعل العبد الدَّنِيِّ الحقير، حيثُ قابلوا الأول الواقع، برضا اللسان والجَنان الخاشع، فما رأيْنا ولا سمِعنا ذا مضرَّة، رد قضاء الرب تعالى بِقالَة سوء أو مَعَرَّة، ولو كان ما جرى إيذاء عبد من المستكبرين، لانفجر المُصابون ساخطين متمردين، فتَأمَّلي أيا بَتُول المرابطين، كم لك في هذا الفرق من فوز الإيمان المبين، وكم تعجزين به من جبابرة العالم الظالمين، وتذهلين من عباقرة التحليل الإعلاميين. ومن أسرارها: ما ينطق به لسان تأملك، ويصوره بيان تمثُّلك: أن مشاهدك الحضارية ذات عراقة، حفرَتْ في ذاكرة الدنيا مَدَّه وسيَاقَه، بصمودٍ ذي عِماد غير محسوس، وركنِ شموخ باقٍ غيرِ مَمْسُوس، فهي مشاهد عز لا تزول، وآيات مجد لا تَحُول. عبد الرزاق مرزوق أصيل يوم الخميس 28 صفر 1445هج-14 سبتمبر 2023م
#الزلزال #زلزال_مراكش #مراكش #خاطرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع