مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله
جهود علماء التجويد الصوتيَّة الجزء الأوَّل
د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah
14/09/2020 القراءات: 5286
كان لعلماء التجويد دور بارزٌ ومهمٌّ في درس القضايا الصوتيَّة، حيث يأتي دورهم متمِّما لما بدأ به علماء العربيَّة في درسهم لقضايا الصوت، وكان ظهور علم التجويد حدثًا مهمًّا في تاريخ الدرس الصوتيّ العربيّ، فقد استطاع علماء التجويد جمع المباحث الصوتيَّة وصياغتها في إطار جديد لتشكِّل علم أصوات العربيَّة، وكانت موضوعات علم الأصوات حاضرة في كتب علماء التجويد، وقد ألمح مكِّي بن أبي طالب في بدايات القرن الخامس الهجريّ في كتابه (الرعاية) - وهو من أقدم كتب هذا العلم - إلى تسميته بعلم مخارج الحروف، وصفاتها، وقوَّتها، وضعفها، وتقاربها، وتباعدها، وإدغام بعضها في بعض، لكنَّ مصطلح (علم التجويد) هو الذي استقرَّ عنواناً لهذا العلم. فملاحظة اللحن الخفي- الذي لا يعرفه إلاَّ المقرئ الضابط المتقن- في قراءة القرآن، ومحاولة معالجته، وتقويم خلله كانت السبب الذي يقف وراء الدراسات الصوتيَّة عند علماء التجويد، ودراسة أصوات اللغة، وتحديد صور نطقها الصحيحة. حيث رصدوا الانحرافات المتوقَّعة في نطقها، فتحقَّقت بذلك فرصة لدراسة أصوات العربيَّة دراسة شاملة، لم تتحقَّق للنحاة الذين كانت تشغلهم دراسة الأصوات لمعالجة بعض القضايا الصرفيَّة( يُنظر: الدراسات الصوتيَّة عند علماء التجويد /50، والدراسات الصوتيَّة الحديثة وعلم التجويد /9).
وقد تأخَّر ظهور علم التجويد بصورته المستقلَّة قرنين من الزمان عن وقت ظهور بواكير العلوم الإسلامية، فأوَّل مؤلَّف ظهر فيه كان في مطلع القرن الرابع الهجري، ولا يعني ذلك عدم وجود قضاياه، أو عدم الاعتناء بموضوعه، فعلم التجويد يُعْنَى بدراسة النظام الصوتيّ للغة العربيَّة، وهو نظام راسخ في اللغة شأنه شأن علم الصرف وعلم النحو، لكنّ موضوعاته كانت جزءًا من كتب اللغة، خاصَّة كتب النحو والصرف، على نحو ما نجد في كتاب سيبويه في الباب الأخير الذي خصَّصه لموضوع الإدغام، ودَرَسَ فيه النظام الصوتيّ للغة العربيَّة، وقد سبق وأن أشرت إليه من قبل، كما أنَّ صور النطق ووجوه الأداء كانت موضع عناية علماء قراءة القرآن، منذ أن تلقّاه الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. وعلم التجويد له اتصال بحقلين من حقول المعرفة العربيَّة الإسلاميَّة: الأوَّل علوم اللغة، والثاني علوم القرآن؛ لأنَّ قواعده في معظمها ذات صفة لغويَّة، ومجال تطبيقاته الآيات القرآنيَّة، وقد تمكَّن علماء القراءة في القرن الرابع الهجريِّ من إبرازه علمًا مستقلاً، له عنوان متميِّز، وله كتبه الخاصَّة به( يُنظر: الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، مكي بن طالب القيسي (437هـ)، تحقيق د. أحمد حسن فرحات، دار الكتب العربية، دمشق، 1393هـ ـ 1973م /225 – 226، و جهد المقلّ /110، واللقاء العلمي مع الاستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد. غانم قدوري الحمد 10/05/1429 - 15/05/2008 11:20 pm).
فأصول علم التجويد وقواعده إذن كانت موجودة في الكلام العربّي، يحرص عليها القرَّاء ويعتمدون عليها في قراءتهم وإقرائهم، وإن لم تكن مدوَّنة، شأنها في ذلك شأن قواعد النحو والصرف التي استنبطها علماء العربيَّة في وقت لاحق. فعلم التجويد الذي يدرّس النظام الصوتيّ للغة، كان موضوعه تحليل ذلك النظام، واستخلاص ظواهره، ووضعها في قواعد تساعد المتعلِّم على ضبطها، وإتقانها حين يستخدم اللغة، وهم في ذلك يسيرون على خطى علماء العربيَّة الذين سبقوهم في هذا الميدان( يُنظر: الدراسات الصوتيَّة /22، والدراسات الصوتيَّة الحديثة وعلم التجويد /8).
علم التجويد - النظام الصوتيّ - سيبويه
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة