الإعلام وأنماط التواصل بالصحراء المغربية - الإرهاصات والنشأة
18/08/2021 القراءات: 3662
من المعلوم أن منطقتي الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب قبل الاستعمار الإسباني عرفتا أشكالا عدة من أنماط التواصل والإخبار وتبادل المعلومات على الطريقة البدائية المستوحاة من إكراه المعيش اليومي وما تفرضه الطبيعة والنسق الاجتماعي القبلي من إلزامية التبليغ والتواصل (البواه – أمنير – الديار...)،كرس واقعا يعتمد على الرواية الشفوية كشكل من أشكال الإعلام والاتصال آنذاك الأكثر إتاحة وشيوعا، "قد يبدو الحديث عن الإعلام في مجتمع الصحراء على قدر غير قليل من الغرابة، بل ولا يخلو من بعض الطرافة فلا وجود عنده للجرائد ولا للإعلام السمعي ولا البصري في الحقب السابقة ... حتى ليخيل للمتتبع أن هذا المجتمع لا يولي أهمية تذكر للمعلومة وللخبر، والحق أن هذا التصور سيبدو بعيدا عن الصحة إذا ما تعرفنا على تقنيات أخرى كانت بمثابة المعادل الموضوعي لكل وسائل الإعلام المعروفة... وهي تقنيات أثبتت نجاعتها بشكل لا جدال فيه، نقصد بذلك "البواه" و"الحاسي" و"السوگ" و"اجماعت الطبلة" و"إيگاون" ..."، كما كان لسلوكيات الرحل والبدو على حد سواء وميلهم إلى الرواية الشفوية أيضا دور كبير في غياب أدوات التوثيق وآلياته، وكيف كانت تملي فضاءات الصحراء القاسية شروطها التواصلية على النسيج المجتمعي آنذاك، مما أفرز لنا وضعية استثنائية تحت إكراه الطبيعة استخدم فيها الإنسان كل إمكانياته العفوية في تطويع الطبيعة وتسهيل أدوات العيش فيها، مع الجزم أنها قنوات بدائية لا ترقى إلى تسميتها إعلاما أو صحافة، وإنما هي أشكال اتصالية فرضتها قساوة العيش وإلزامية السؤال عن المحيط، "كانت الرواية الشفوية واحدة من أعمدة التراث الثقافي في الصحراء بارتباط مع نمط العيش السائد في المنطقة المعتمد في غالبيته على الترحال، فهي الخزان الرئيسي لثقافة الناس اليومية التي تتداولها أفواه الرجال والنساء، مما كرس النظرية القائلة بأنه متى كان الترحال كانت الرواية الشفوية ومتى كان الاستقرار كانت الوثيقة ...وكانت الرواية الشفوية هي قناة التواصل الاستراتيجي التي نسجها مجتمع الصحراء". وفي السياق ذاته، فإن حياة البدو لدى أهل الصحراء كانت بمثابة نشرة أخبار على امتداد ساعات النهار، تبدأ أحداثها منذ البكور حديثا عن متفرقات خفيفة سواء فيما يتعلق بالحاجيات الضرورية أو السؤال عن سبل افتكاك بعض الأمور العالقة، ومن ثمة الانتقال إلى الأحاديث ذات العلاقة بالصحة والماشية والتاريخ وأمور الدين والتضاريس والغذاء والسلاح والزواج والموت والأمطار ...إلخ، أما بخصوص حالة الطقس فكانت تستقرأ انطلاقا من الظواهر الطبيعية وسلوكيات بعض الحيوانات فعلى سبيل المثال: عندما تتمرغ الكلاب على ظهورها في وقت الهجير يدل ذلك على قرب هطول المطر، وعندما يسيل لعاب الإبل بشكل كثيف يدل ذلك على مجيء الغيث والمطر، أما عندما يكثر عواء الذئاب ليلا يدل ذلك على الجفاف والقحط، إذ يفسر سلوك الحيوان على أنه تضرع لله من أجل الفرج ونشر الرحمة، وعندما تكون النجوم ساطعة يدل ذلك على أن الطقس غدا بارد والعكس صحيح، في حين إذا كان قرص الشمس أحمرا متوهجا فيدل ذلك على حرارة الطقس ذلك اليوم وهكذا، وفي هذا الصدد قد تكون المادة الخبرية نثرا وقد تكون شعرا، ومن الأمثلة على الحاجة إلى الخبر وتداول المعلومة في هذا المجتمع، ما جاء به الشاعر محمد سالم ولد الدخيل (الداه) مادحا أحد الشخصيات بقوله: شكرك شهدت به الخطار *** تستخبر به فكل لسنة فكل شهر وفكل انهار *** وكل أسبوع وكل اسنة وفي الإطار نفسه، يزدرى الفرد بالصحراء ويقدم نموذجا عن ضعف الشخصية والدناءة، عندما يكون غير مهتم بالأخبار وغير مكترث بالمحيط حيث يقال "فلان ما يجيب أخبار ولا يدي وحدة"، ويقال "فلان أخبارو زﮔية أزﮔى من ﮔعدتك" كناية عن صدق الخبر وقوة مصادره، وفي رواية أخرى تعزز ما تمت تلاوته سابقا يحكى أن أحد المارين على مضارب إحدى التجمعات البدوية قديما وبعدما سألوه عن أحوال الطريق والمطر أنشد قائلا: ألوس گبلتكم حوصة *** تراب زينة واعفية لو كانت ما هي كردوسة *** نجيب لخبار اعشية وبهذا، يمكن القول إن أهل الصحراء على امتداد خارطتها لم يكونوا في عزلة عن المحيط، ولم يكونوا منقطعين عن العالم رغم غياب وسائل الاتصال، غير أن الحاجة كانت ملحة في العيش والتعايش وتطويع الطبيعة عن طريق فهمها واستكناه أسرارها، وتحويل ذلك الروتين اليومي إلى تدافع وتلاقح وتواصل أشبه بحركية ودينامية النحل في البحث والتقصي عن الحاجات والمنافع ودرء كل ما من شأنه تعطيل هذه الانسيابية المرنة في التعاطي مع المحيط. وتأسيسا على ما سبق، فقد اتفقت معظم الآراء والمراجع على قلتها على أن ظهور الإرهاصات الأولى للإعلام والصحافة بشكل فعلي، كانت مع التواجد الإسباني بالمنطقة نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، رغم التجاذب القائم حول حقيقة ما تم تداوله بشأن وجود مجلة صحفية تدعى AFRICA OCCIDENTALE ESPANOLA التي تم طبع العدد الأول منها في مدينة سيدي ايفني سنة 1943، تلتها محاولة أخرى في 15 أبريل 1945 تحمل نفس الاسم A.O.E، باستصدار عددها الأول التي عمدت فيه إلى طمس حقيقة الاحتلال، وإظهار تفاصيل المشروع الإسباني الاستعماري آنذاك، ويذكر أن هذه الصحيفة استمرت في النشر إلى غاية سنة 1969، في حين تزايد الاهتمام بمنطقة الصحراء على المستوى الإعلامي بتخصيص ركن خاص يحمل اسمها على صفحات مجلة تدعى موريتانيا MAURITANIA التابعة للمؤسسة العسكرية الإسبانية، "إن إسبانيا لم توسع من اهتمامها الإخباري بالصحراء إلا بعد سنة 1958، حيث خصصت ركنا خاصا بالمنطقة يحمل إسم (SAHARA)، ولم تخرج عن المواضيع المنشورة بهذا الركن وحتى حدود 1975 عن السياق العسكري الاستعماري والتطبيل للسيادة الإسبانية على الصحراء والمنجزات والمشاريع الاستعمارية، ويظهر أن أغلب هذه المواضيع كتبت بأقلام الضباط الإسبان الموجودين بالمنطقة، وقد أغفلت جملة وتفصيلا المواضيع المرتبطة بمشاكل المنطقة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي"
(النسخة الكاملة لدى المؤلف)
الإعلام - أنماط التواصل - الصحراء المغربية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة