قلق الانتظار وانتظار القلق أو قلق الانتماء والاحتماء
الكاتب محمد آيت علو | AIT ALLOU MOHAMED
31/10/2020 القراءات: 4026
إن تواجد الأفراد ضمن جماعة تربطهم في إطارها علاقات اتصال وتفاعل متعددة الأوجه ومتنوعة المظاهر، يولد لدى هؤلاء الأفراد من حيث هم كذلك، مشاعر فردية شعورية أو لاشعورية، إيجابية كالنزعة إلى الانتماء والاحتماء، أو التوحد والتقمص، أو التضامن والتزاوج، وذلك في محاولة لتأكيد الذات الفردية والاجتماعية...
كذلك مشاعر مناقضة سلبية مثل مشاعر الخوف والقلق والغيرة، الشيء الذي يعبر حسب " ماكس باجيس" بصراع الآراء والأفكار، ومظاهر التوتر والعدوان المتبادل، هذا الخوف الأخوي الفردي في طابعه الاجتماعي في نشأته وشروط ظهوره وتولده، تنتج عنه ظاهرة جماعية المظهر، مشتركة بين جميع الأفراد أعضاء الجماعة سماها " باجيس" القلق المشترك، وهكذا فتواجد المدرسين مع بعضهم على شكل مجموعات متجانسة تجمعهم الاهتمامات والهموم المشتركة، وتوحدهم المشاكل والمتاعب، وتؤلفهم الآمال والآلام، فتواجدهم هذا يجعل أحاسيسهم متجانسة أحيانا، ومتقاطعة أحيانا أخرى في حيز رمزي، قد يكونُ نموذج سلطة أو مصدر قلق وتهديد، أو مثير خوف واضطهاد حيث تتوحد الذات الجماعية على شكل "نحن" أو "أنا جماعي"، وينجمُ عن ذلك أن الشعور بالأنا يصبح الشعور بالنحن، حيث يدخل الجماعي المؤسسي في التكوين الجوهري لما هو فردي ذاتي، ولا يعني هذا استلاب الذات الفردية أو انحسارها وتلاشيها، بقدر ما تنتظمُ الذوات انتظام الذرر في العقد، أو الحلقات في السلسلة المتشابكة، وتكون الخيوط الرابطة بينها دوافع البناء والمحبة، وأحيانا أخرى دوافع عدوان وكراهية، مشكلة بذلك عاطفة جماعية موحدة، وفي هذا الصدد يقولُ "ماكس باجيس": " إن الوحدة العاطفية للجماعة...ليست وحدة التحام وذوبان، إذ هي تنوع التجارب الفردية...".
فرغم أن كل جماعة تربوية أو مهنية أو مؤسسية، تشكلُ جماعة مرجعية بالنسبة للأفراد، تمكنهم من تحقيق ذواتهم، وإرضاء حاجاتهم في التوحد أو التقمص أو التماهي، أو الإسقاط والتصعيد والتعويض...لتجاوز مظاهر العجز الفردي، والقصور الذاتي لدى الانسان المفرد، رغم هذا فإن الجماعة قد تشكل قوة ضاغطة وإلزامية، تمارسُ على الفرد تغييرات تتجلى في سلوكه وردود أفعاله، لأن هناك روح جماعية ناجمة عن تآلف الأفراد رغم اختلافهم، حيثُ يكونون مثل خلايا الجسم في تآلفها، والتي تشكل باجتماعها كائنا جديداً يبدي خصائص جد مختلفة عن تلك التي تتوافر عليها كل خلية من هذه الخلايا.
وقد يوجد الفرد في علاقة ضمن مجموعة مؤسسية، يمكنه من السيطرة على نزواته ورغباته، لكن ذلك قد يخلق لديه قلقاً جديداً، يهدفُ به إلى مُكافَحَة قلق الهَوى والنزوة، وبذلك فهو يتداوى من القلق بقلق مماثل، خصوصا وأن النزوات والرغبات اللاشعورية المناقضة لطبيعة الحياة الجماعية، تبقى ظامئة ومتعطشة للإرتواء والظهور، وقد يتأتى لها ذلك بصور مختلفة وملتوية، كالإعلاء والتصعيد والتكوين العكسي...
قلق التربية هذا يمارسُ نوعاً من التربية يعيدُ بواسطتها إنتاج نفسه، ويجدد زخمهُ في أنفس المدرسين بتربية قلق جديد لديهم، وذلك بأن يصبح سلوكهم مطبُوعاً بالخوف والخُضوع، وقلق الانتظار، وانتظار القلق...
إن علاقة القهر التي تدخلُ في بناء الذات المربية، تُعَاشُ على أنَّها علاقة مشروعة وعقلانية، لأنها تنتظم بقوانين وتشريعات مؤسساتية من جهة، ولأنها تكتسي مغزى ومعنى النموذج السلطوي الذي تم تمثله...في لاشعور المدرسين من جهة ثانية، لذلك تُعاش هذه العلاقة في الغالب على أساس من تبخيس واستصغار الذات، على شكل انجراح نرجسي أو فقدان إنسانية الذات، بحكم كون العلاقة السلطوية القهرية تقوم على الاستعلاء والدمج بإلغاء ذات الأدنى وتحقير الذات لديه، إلى درجة ينظرُ إلى المدرس معها وكأنه شيء، وإلى هذا يشيرُ الدكتور "مصطفى حجازي" بقوله: "بدل علاقة أنا /أنت، التي تتضمن المساواة. والاعتراف المتبادل بإنسانية الآخر وحقه في الوجود...بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع أنا/ذاكَ، ذاك هو الشيء، هو الكائن الذي لا اعتراف به...علاقة الدونية والشعور بنقص الإنسانية وقصور الذات، يجعلُ المدرسين، يدركون بأن ذواتهم كذوات منبوذة أو مهجورة، الشيء الذي يولد لديهم قلق النبذ والهجر"، وقد أشار الدكتور" ألفريد آدلر" رابطاً بين الشعور بالنقص الذاتي والتقدير الاجتماعي أو بين النقص النفسي والانتماء الاجتماعي، إلى ذلك بقوله:" كل حياة نفسية تصرف إلى الميادين التي يجد فيها الفرد مكانهُ أمام وإلى جانب الآخرين".
فالشعور الاجتماعي يُعطي لكل واحد شعوراً بالأمن، الذي يمثل بالنسبة له السند الرئيسي للحياة، لذلك فإن إحساس المدرسين بعدم التقدير الاجتماعي، ونقص في الانتماء والكراهية سيذكي لديهم مشاعر النقص والحيف، وأمام هذه الوضعية المقلقة، يسعى المدرسون إلى تجاوز حاجز القلق، والخروج من حمأة الصراع، أحيانا بطرق إيجابية كالاحتجاج، والسعي بكافة الطرق المعقولة والمنظمة، لتأكيد الذات، واعتبار إنسانيتهم وكرامتهم، إلا أنهم في الغالب يسلكون سبلا فجة، أو آليات دفاعية ملتوية كتقمص الشخص " السيد" الواقعي أو الخيالي، كنموذج أبوي مؤسسي واقعي، أو صورة مثالية للأب الخيالي...، الشيء الذي يولد لديهم موقفا مأساوياً إزاء الذات، أو موقفاً اعتياديا لدى الآخر.
غير أنه في كثير من المواقف، ما يكون قلق الشعور بالذات هذا في الموقف التربوي حافز بحث المدرسين على تجاوزه، بتحدي العوامل المدلة له، وكانت "كارين هورني" قد أشارت إلى وجود ثلاثة احتمالات أو إمكانيات لمواجهة القلق الاجتماعي المنشأ أو العلائقي الأصل.
"التطرف في العدوان، الانعزال، أوالتبعية"، فالشخص العدواني يرفضُ علاقة يرى أنها علاقة استغلال، والانعزالي يجتر قلقه نتيجة شعوره بالضعف والعجز، وإذا اشتدت درجة القلق الاجتماعي، يسقطُ المرء في القلق الذي تسميه "هورني": بالقلق الأساسي الذي يسلبُ الذات سماتها الحقيقية والأصيلة، حيث ينشأ صراع نفسي داخلي ينهشُ كيان الذات، تسميه "هورني" الصراع المركزي، وهو صراعٌ بين الذات الحقيقية، والذات المريضة القلقة، الشيء الذي يجعل المرء يسقط في دائرة كراهية الذات والعالم...
قلق التربية وقلق العلاقة الاجتماعية لدى الذات المربية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
Yasmin Nouinou اقدم تهنينا للاستاذ الف مبروك لك اتمنى لك توفيق دوما Sabah Saidia مزيد من التألق وتهانينا كل الامتنان والود والتقدير لحسن أزروال مزيد من التألق و الابداع يا فخر المغرب
دمت متألق دوما كاتبنا محبوب والف مرحبا بك في طنجة واتمنى لك سفر رائع/ ياسمين نينوا.
ويبقى السفر ممكنا ومتاحا عبر مناطق الجذب الروحي والانتعاش الفكري الأخاد، والممتع والمؤانس كالمعتادـ عبر الكلمة ومكابدة الحوف، تحياتي كاتبنا المتألق. صلاح مفيد.
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة