مدونة أنتصار محمد ميلاد الزنان


السمات العامة للنسيج العمراني للمدن الليبية القديمة

د.إنتصار محمد ميلاد الزنان | Dr. Intesar Mohamed Zannan


16/10/2020 القراءات: 2055  



يعتبر النسيج العمراني لأي مدينة أو تجمع سكاني ماهو إلا نتاج لحاجات ومتطلبات المجتمع خلال فترات زمنية، ويتطور هذا النسيج بتطور المدينة استجابة لمجموعة من المؤثرات منها البيئية الطبيعية والقيم الاجتماعية والثقافية هذه المؤثرات قابلة للتغير والتكيف مع ظروف وتطور الحياة بصفة عامة . فالمدن القديمة إي كان تواجدها سواء بالمناطق الصحراوية أو الجبلية تعتبر ذات قيمة حضارية وتاريخية، أي أنها ثروات هامة وشاهد عظيم على أصالة المجتمعات السكانية التي أقامتها، فالنسيج والتكوين المعماري لهذه المدن يعتبر انعكاساً لتداخل مجموعة عوامل كان لها الدور الكبير في تحديد سمات وخصائص هذه المدن اعتمدت في محصلتها على درجة الموازنة المتحققة بين المؤثرات والطبيعية والبيئية والاقتصادية الاجتماعية، حيث كانت للعادات والتقاليد والقيم الروحية والدينية والفكرية دور جذري في تشكيل النسيج العمراني للتجمعات الصحراوية والذي أنعكس بدوره على المظهر التخطيطي والتكوين المعماري لهذه المدن . أن العناصر التخطيطية لمدن التجمعات الصحراوية المتمثلة في المساجد، المباني السكنية والأسواق والشوارع والميادين تكون بمثابة العناصر الأساسية في تشكيل النسيج العمراني فمدينة سوكنه بليبيا مثال واضح للمدينة الإسلامية حيث تظهر الصورة الجوية سور المدينة والبوابات إذ يعتبر المسجد مركز المدينة ولقد تأثرت مدينة سوكنة القديمة بالمخطط العمراني الجديد ووظفت بها استعمالات ووظائف أثرت على هذا النسيج مما أدى إلى زوال أغلب أجزاءها إن لم يكن معظمها. ولو القينا نظرة على النسيج العمراني لأي مدينة لوجدنا تماثلاً واضحاً في الخصائص العامة في تخطيط هذه المدن حيث يمتاز النسيج التقليدي بمكونات مترابطة ومتراصة أشبه بالكتلة الواحدة التي تحصر مسارات الحركة الطبيعية، كما يعكس هذا النسيج متطلبات المجتمع العربي الليبي في تلك الفترة . كما نلاحظ أن العديد من الأسس التخطيطية التي اعتمدت كنظريات تخطيطية نرها متواجدة في مدننا الصحراوية استقيت من الطبيعة واكتسبت بالخبرة، وبالتالي أثرت في تكوين النسيج العمراني للمدن القديمة ونستعرض منها: 1 – تدرج الفراغات نلاحظ على النظام المعماري للمدن الصحراوية التدرج في تنظيم المباني المتراصة والمجانسة تاركة بعض الفراغات الداخلية التي تبين الداخل من الخارج والخاص من العام والتي تناسب العلاقة بالفراغ المفتوح من حيث الحجم والموقع ودرجة الخصوصية تبعاً لأهميتها ووظيفتها، فمثلاً كان المسجد يمثل الواجهة المطلة على الفراغ الخارجي الذي يعكس العلاقة الوظيفية بالإضافة إلى منطقة النشاطات التجارية التي تمثل الفراغ العام على عكس الفراغ السكنى الخاص وبتتابع هذه الفراغات نلاحظ أنها تكاد تكون متصلة ببعضها وتقل في حجمها من الأكبر إلى الأصغر وكما نرى في بعض الصور التي تبين عناصر الفراغات حيث الظلال والأضواء التي تتخلل الشوارع والبنايات وهذا يدل على كيفية التأقلم مع الظروف البيئية المحلية وفي نفس الوقت تعطي الصورة انكسار محور الطريق و تغيير مساراته واختلاف مسار الشارع و عناصره. 2- الثقافة الاجتماعية لقد تبين من خلال تحليل مخطط النسيج القديم لبعض المدن القديمة أنها مستمدة من ثقافة سكانها فثقافة سكان أي مدينة يعنى تمثيل عمراني لنمط المعيشة، وبالتالي فأن الإبداعات والتفننات والزخراف التي تظهر في أي مدينة قديمة ما هي إلا تعبير عن انتماء سكانها لثقافة معينة وهذا ما نلاحظها على مدينة غدامس من حيث التكوين وعناصر الزخرفة التي بها. 3- الأستدامة من الملاحظ أن بعض المدن القديمة حافظت على طابعها المعماري لكونها حضارة عمرانية مستمرة اعتمدت في تركبيها وطابعها على مبادىء مستلهمة من الروح الإسلامية التي تتلائم مع أي عصر وأي فترة ، وقد تبين من خلال دراستنا للمدن القديمة أنه يمكن تحوير وظيفية المباني القديمة إلى وظائف تتمشى مع الأنشطة السياحية لأحياء هذه المدن وضمان أستمرار واستدامة هذا المورث الحضاري القديم بالبقاء وخير دليل مدينة غدامس وغات وغيرها. 4- البيئة المناخية معظم المدن القديمة تأقلمت مع الظروف المناخية والأوضاع المحلية لتتكيف مع الطبيعة لذا نلاحظ أن كل مدينة قديمة قد أخذت شكلاً خاصاً بها حسب الظروف البيئة المحلية من حيث شكلها وحجمها ونوعية مواد البناء الطبيعية الموجودة في كل منطقة سواء كانت جبلية أو ساحلية أو صحرواية . 5- التوجه نحو الداخل (سلامة التوجيه ) أغلب المدن القديمة أخذت في بناءها مبدأ التوجه نحو الداخل الذي يمتاز بالتداخل والتكامل بين الكتل البنائية والفراغات المفتوح، وهذا المبدأ يأتي تلقائياً استجابة لمتطلبات البيئة الطبيعية والاجتماعية والذي يحقق مبدأ الخصوصية ومفهوم مبدأ التوجه نحو الداخل يلعب دور كبير في تحسين المناخ من خلال خلق أماكن مظللة للتقليل من أشعة الشمس المباشرة .


النسيج العمراني ، المدن الصحراوية، المورث الحضاري، الخصوصية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع