مدونة .. أ. د. خالد عبد القادر منصور التومي


الهندسة الاجتماعية وعلاقاتها بالتربية والتنشئة السياسية .. الجزء الأول

أ.د. خالد عبد القادر منصور التومي | Prof. Dr. Khaled A. Mansur Tumi


07/06/2021 القراءات: 1217  


استطاعت المناهج الحديثة للتفكير والبحث، وأهمها المناهج الوظيفية والنُظمية والبنيوية، أن تحسم شأن الجدل القائم حول الطبيعة التكوينية للأنظمة الكلية العامة في شتى أشكالها النظرية المجردة والعملية الحية، إذ أثبتت منجزات هذه المناهج ونتائج استخدامها في الدراسات الطبيعية والاجتماعية "أن أي نظام كامل شامل، سواءً أكان ماديًا حسيًا أو نظريًا مجردًا، طبيعيًا كان أو اجتماعيًا، عادةً ما يتكون في أساسه من مجموعة مترابطة ومتفاعلة ومتكاملة من الأنظمة الفرعية وأنشطتها الوظيفية المتخصصة وعلاقاتها الارتباطية"، ومرد ذلك؛ إلى أن الخصائص التكوينية والوظيفية والتفاعلية لمثل هذا النظام الكلي الشامل من شأنها أن تعكس المجموع العام المتفاعل لأنظمته الفرعية ومكوناتها وعلاقاتها ووظائفها.

بهذا .. انعكست تلك النتائج في معالجة شأن التربية والتنشئة في علاقاتهما بالهندسة الاجتماعية؛ كمفاهيم نظرية كلية ونشاطات تطبيقية عامة، إذ تنقسم إلى مفاهيم نظرية جزئية وأنشطة تطبيقية خاصة، بحيث يختص كل مفهوم نظري جزئي ونشاط تطبيقي خاص منها بتكوين الإنسان معرفيًا وقيميًا، وتأهيله علميًا وسلوكيًا في جانب من جوانب حياته، بما يضمن توافقه وانسجامه وتفاعله الإيجابي من أحد الأنظمة الفرعية المتخصصة ضمن النظام الاجتماعي العام.

وبما أن المجموع الكلي المتفاعل لتوافقات الإنسان وانسجاماته الناتجة عن عمليات التربية والتنشئة وصولاً إلى الهندسة الاجتماعية الجزئية الخاصة به، تتحقق للإنسان الهندسة الاجتماعية المتصلة بالتربية والتنشئة الكلية العامة التي تُؤمن له التوافق والانسجام مع نظامه الاجتماعي الكلي العام، ومن ثم؛ تؤهله للتفاعل معه "نظامه الكلي" إيجابيًا على المستويين الفرعي المتخصص والكلي العام.

وحيث أن لكل نظام طبيعي أو اجتماعي عام، مطلبًا يكمن في أهمهما "الاستقرار والاستمرار"، فمن الطبيعي أن يكون ذات الشأن بالنسبة لكل الأنظمة الفرعية المتخصصة التي تتكون منها الأنظمة العامة "الطبيعية منها والاجتماعية على حدٍ سواء"، هذا؛ ليكون حال النظام السياسي حال باقي الأنظمة الاجتماعية الفرعية في إطار النظام الاجتماعي العام، ذلك من حيث حاجته وحاجتها للسعي لضمان استقرارها واستمرارها دائمًا وفي كل حال، هذا وفقًا لِما ورد عن "أ.د. ديفيد إيستون" في كتابه المدخلات والمخرجات لتحليل النُظم السياسية "أن عدم وجود قانون طبيعي ولا فوق طبيعي قادر على خلق قانون اجتماعي عام، ولا قادر على ضمان استقرار واستمرار الأنظمة الاجتماعية المتنوعة تلقائيًا، بما في ذلك السياسية منها، الأمر الذي يفرض على كل أشكال هذه الأنظمة وأنواعها أن تعمل على ضمان مطلبي الاستقرار والاستمرار لنفسها، مع توفير شروطهما التي تقف في مقدمتها شرط تلقين كل أفراد المجتمع أفقيًا وأجياله وطبقاته عموديًا" للاعتقاد بصواب هذه الأنظمة وضرورة حمايتها ولزوم التعاطي معها إيجابيًا.

لهذا .. نجد أن جميع الأنظمة السياسية تحاول تخليد هياكلها وثقافاتها عبر الزمن، إذ أنها تقوم بذلك عبر مؤثرات "التنشئة السياسية" حديثًا، وإنما قبل ذلك كانت تقوم بذلك عبر التربية، وهي التسمية القديمة للعملية المسئولة عن هندسة الخصائص الاجتماعية الفردية والاجتماعية العامة؛ ليحل مصطلح "التنشئة السياسية" محل مصطلح "التربية السياسية" في العقد الثالث من القرن العشرين، كما أن تعريف "التنشئة السياسية" بمفهومها البسيط، بأنها: دراسة سيكولوجية السلوك الإنساني .. بمعنى تعلم الفرد للأنماط الاجتماعية بواسطة مختلف المؤسسات الاجتماعية لمساعدته على التعايش مع مجتمعه سلوكيًا ونفسيًا، أو بمعنى أخر؛ التلقين المتعمد للمعلومات والقيم والسلوكيات السياسية بواسطة وكلاء مسئولين عن ذلك رسميًا، مثل؛ تعليم الاتجاهات الاجتماعية والخصائص الشخصية الوثيقة الصلة بالسياسة، كما أن للتنشئة السياسية مستويين، وهما على النحو التالي سرده تباعًا:

المستوى السياسي الفردي: تلك العمليات التي يكتسب الفرد من خلالها توجهاته السياسية الخاصة، كـ معارفه، ومشاعره، وتقييماته لبيئته ومحيطه السياسي.

المستوى السياسي الجماعي: تلك العملة التي يكتسب المواطنون من خلالها وجهات نظرهم السياسية، والتي يترتب عنها تجمع مجموعة من النتائج لها أثرها على الحياة السياسية لأمةٍ ما.

يتبع .. الجزء الثاني


الهندسة الاجتماعية، التربية السياسية، التنشئة السياسية، سيكولوجية السلوك الإنساني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع