مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
ولاية الله لا تصلح إلا بالبراءة من كل معبود سواه .
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
28/01/2023 القراءات: 531
قال ابن القيم رحمه الله : أصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما أن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، وكل إرادة تمنع كمال حب الله ورسوله ، وتزحم هذه المحبة فإنها تمنع كمال التصديق .
فهى معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له . فإن قويت حتى عارضت أصل الحب والتصديق كانت كفرا أو شركا أكبر ، وإن لم تعارضه قدحت في كماله وأثرت فيه ضعفا وفتورا في العزيمة والطلب،وهي تحجب الواصل وتقطع الطالب وتنكي الراغب .
فلا تصلح الموالاة إلا بالمعاداة كما قال تعالى عن إمام الحنفاء المحبين أنه قال لقومه ﴿ أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ﴾ فلم تصلح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة فإن
ولاية الله لا تصلح إلا بالبراءة من كل معبود سواه .
قال تعالى ﴿ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده )) .
وقال تعالى ﴿ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ﴾ أي جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض . وهي كلمة لا إله إلا الله ،وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة .
وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات ، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة ، وجردت سيوف الجهاد .
وهي محض حق الله على جميع العباد .
وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار المنجية من عذاب القبر وعذاب النار ، وهي المنشود الذى لا يدخل أحد الجنة إلا به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه .
وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد .
وبها انفصلت دار الكفر من دار السلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان .
وهي العمود الحامل للفرض والسنة ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة » .
وروح هذه الكلمة وسرها إفراد الرب جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك ، من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة .
فلا يحب سواه ، بل كل ما كان يحب غيره فإنما هو تبعا لمحبته وكونه وسيلة إلى
زيادة محبته ولا يخاف سواه ، ولا يرجو سواه ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يرغب إلا إليه ، ولا يرهب إلا منه .
ولا يحلف إلا باسمه، ولا ينذر إلا له، ولا يتأب إلا إليه ، ولا يطاع إلا أمره ، ولا يحتسب إلا به ، ولا يستعان في الشدائد إلا به، ولا يلتجأ إلا إليه ، ولا يسجد إلا له ، ولا يذبح إلا له وباسمه . يجتمع ذلك في حرف واحد هو أن : لا يعبد بجميع أنواع العبادة إلا هو .
فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، ولهذا حرم الله على النار أن تأكل من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة ، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها كما قال تعالى ﴿ والذين هم بشهاداتهم قائمون ﴾ فيكون قائما بشهادته في باطنه وظاهره وفي قلبه وقالبه .
فإن من الناس من تكون شهادته ميتة .
ومنهم من تكون نائمة إذا نبهت انتبهت ، ومنهم من تكون مضطجعة ، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب . وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن . فروح ميتة وروح مريضة إلى الموت أقرب .
وروح إلى الحياة أقرب ، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن . وفي الحديث الصحيح عنه : « إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجدت روحه لها روحا » .
فحياة هذه الروح بهذه الكلمة فكما أن حياة البدن بوجود الروح فيه وكما إن من مات على هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها .
فمن عاش على تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشها أطيب عيش ، قال تعالى ﴿ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ﴾ .
فالجنة مأواه يوم اللقاء ، وجنة المعرفة والمحبة والأنس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به والرضى عنه وبه مأوى روحه في هذه الدار .
فمن كانت هذه الجنة مأواه ها هنا كانت جنة الخلد مأواه يوم الميعاد ، ومن حرم هذه الجنة فهو لتلك الجنة أشد حرمانا .
والأبرار في نعيم وإن اشتد بهم العيش وضاقت بهم الدنيا ، والفجار في جحيم وإن اتسعت عليهم الدنيا ، قال تعالى ﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ﴾ .
وطيب الحياة جنة الحياة ، قال تعالى ﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ﴾ ، فأي نعيم أطيب من شرح الصدر ، وأي عذاب أشد من ضيق الصدر .
وقال تعالى : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ﴾ .
ولاية الله لا تصلح إلا بالبراءة من كل معبود سواه .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع