مدونة د/ محمد حسين حمدان


ما وراء المعرفة وعلاقتها بالقراءة من أجل الفهم

أ.م.د/ محمد حسين علي حمدان | dr.Mohamed hussien Ali hamdan


22/10/2020 القراءات: 3130  



التعلم الفعال يتطلب أن يكون القارئ على وعي بفهمه أو حاجته للفهم , بالإضافة إلى معرفته ما الذي يجب عليه فعله عند الفشل في الفهم ، ولما كان الفهم عملية تتطلب وتتضمن أنشطة مختلفة في مراحل القراءة الثلاث قبل القراءة ، وأثنائها ، وبعدها ، لذلك ينبغي أن يساعد التدريس القارئ في كل مرحلة من هذه المراحل ، ذلك أن أحد أهم الأهداف الأساسية للتعلم يتمثل في مساعدة الطلاب على أن يكونوا متعلمين فاعلين ومؤثرين ، وأن يصبحوا مسئولين عن تعلمهم.

من هنا بدأ البحث في مجال القراءة يركز على الدور الذي تلعبه ما وراء المعرفة في الفهم القرائي ، فبينما كانت الأبحاث السابقة تركز على كيفية استخدام , بدأ الباحثون في دراسة وعي القراء بالإستراتيجيات المستخدمة أثناء عملية القراءة , وهو ما اصطلح على تسميته في الكتابات الأجنبية "الوعي فوق المعرفي بإستراتيجيات القراءة" (Singhal, 2001) ، حيث يرى "بيكر وآنا براون" أن الهدف الرئيس للتدريس المباشر لإستراتيجيات ما وراء المعرفة أثناء عملية القراءة هو "جعل القارئ على وعي بالطبيعة النشطة لعملية القراءة , وأهمية استخدام عمليات المراقبة الذاتية أثناء القراءة من أجل تعزيز الفهم"(Baker & Brown, 1984 )

فالقارئ ينبغي أن يكون واعياً بالإستراتيجيات الأساسية من أجل القراءة والتذكر ، وبعض القواعد الأساسية حول بنية النص ، وأهمية تنشيط الخلفية المعرفية التي يمتلكها ، لأن هذا الوعي يعد ضرورة من أجل التخطيط والتنظيم الذاتي لعملية التعلم أثناء القراءة , ومن أجل مراقبة وفحص الأنشطة المعرفية التي يقوم بها القارئ ، مما يؤدي بدوره إلى تحسين عملية الفهم.

لذلك يؤكد "شيري ومختاري" على أن الجمع بين الوعي بعمليات القراءة الإستراتيجية ، والاستخدام الحقيقي لإستراتيجيات القراءة هما أهم ما يميز القارئ الماهر عن القارئ الضعيف (Sheorey & Mokhtari , 2001) ،
فالقارئ الماهر عادة ما ينشغل بالأنشطة التأملية التي تتطلب التفكير التخطيطي والمراقبة الذاتية , بينما القراء الأقل مهارة يكونون غافلين عن هذه الإستراتيجيات والحاجة إلي استخدامها.
والطلاب الجيدون في القراءة لديهم قدرات ما وراء معرفية , بينما الطلاب الضعاف يفتقدون هذه القدرات فالمعرفة , والإدراك , والسيطرة على الدور الذي يقوم به المتعلم في عملية القراءة ، هي قدرات ضرورية من أجل تطوير الفهم القرائي الجيد لدى الطلاب.
وفى هذا السياق يشير "ويد ورينولد" (Wade & Reynolds. 1989) إلى ثلاثة أنماط من الوعي ضرورية ويمكن تعلمها ، هي
1- الوعي بالمهمة: وتشير إلى الوعي بالغرض من القراءة.
2- الوعي بالإستراتيجية : وتشمل الوعي بالإستراتيجيات المتاحة من أجل تحقيق هذا الغرض.
3- الوعي بالآداء: وتشمل الوعي بتأثير كل إستراتيجية من هذه الإستراتيجيات من أجل تحقيق الغرض .

فعندما يكون القارئ على وعي بالغرض من المهمة عندئذ يستطيع أن يحدد هدفه من القراءة بوضوح , وبذلك يكون قادراً على اختيار الإستراتيجيات المناسبة لهذا الهدف ، وهو ما يعرف باسم "القصد" في "علم النص" والذي يحدد سبعة معايير لفهم النص هي : "القصد ، والربط ، والسبك ، والقبول ، والموقفية ، والإعلامية ، والتناص". (دى بو جراند ، 2000: 120) ، فإذا كان الهدف من قراءة دليل مسجل الفيديو (مثلاً) هو معرفة كيفية ضبط ساعة الفيديو , في هذه الحالة نجد أن القارئ الإستراتيجي سوف يقرأ الفهرس ليعرف أين يتم شرح كيفية ضبط الساعة في الدليل ، وبعد ذلك يتجه نحو الصفحة مباشرة , أما القارئ الذي يقوم بقراءة الدليل كاملاً من الغلاف إلى الغلاف فهو في هذه الحالة لا يعد قارئاً إستراتيجياً ، وهو غير مدرك للغرض من المهمة.
ويتضمن الوعي بما وراء المعرفة أيضا الوعي بتحديد ما إذا كان الفهم قد تم أم لا ، والتطبيق الواعي لواحدة أو أكثر من الإستراتيجيات من أجل تحسين الفهم ، وهو ما يسميه "بيكر وبراون" مراقبة الفهم وهي شكل من أشكال المراقبة المعرفية ، حيث تشير إلى "وعي القراء للدرجة التي وصلوا إليها في فهمهم لما يقرءون".

وهذا يعني أن الطلاب الموجهين ما وراء معرفياً ، لا يكونون على وعي بخصائصهم كمتعلمين فقط , ولكن أيضاً يكونون على وعي بمتطلبات المهمة , أي أن المتعلم سوف يختار ، ويراقب ، ويقيم استخدامه للإستراتيجيات , ويكون قادراً في الوقت نفسه على معرفة وتصحيح حالات الفشل في الفهم ، فالطالب عندما يكون على وعي بأنه فهم النص فلن تكون هناك ضرورة لتعديل معالجته للنص , أما في حالة حدوث صعوبات للفهم أو عجز عن معرفة بعض الأجزاء المهمة ، فالقارئ سوف يستخدم إستراتيجيات معالجة الفهم من أجل تصحيح الفهم ، فالافتراض هنا هو أن مراقبة الفهم , تعد شرطاً أساسياً للتطبيق الفعال لإستراتيجيات الإصلاح والمعالجة.
وهذه العملية التي يقوم فيها القارئ بالتوقف عند الصعوبة ومراجعة ذاته ، وإستراتيجياته المتبعة أثناء عملية القراءة حتى يتغلب على حالة عدم الفهم , أطلق عليها "أندرسون" مصطلح Debugging"" أو عملية المعالجة الدورية للفهم بناءً على المعلومات التي تقدمها عمليات المراقبة الذاتية.
مما سبق يمكن القول أن ما وراء المعرفة تلعب دوراً مهماً في القراءة من أجل الفهم , وذلك أن استخدام الطلاب لإستراتيجيات ما وراء المعرفة أثناء القراءة يزيد من وعيهم بما يدرسون , فهو يجعلهم على وعي بالمهمة التي تشير إلى وعى المتعلم بالغرض من التعلم ومطالبه والإجراءات التي تحقق هذه المطالب ، كما تجعلهم على وعى بالإستراتيجية ، والتي تشير إلى معرفة المتعلم للإستراتيجيات الفعالة في تحقيق أهداف التعلم , كما تجعلهم على وعي بالأداء ، أي قدرتهم على التفكير في الشيء الذي تعلموه وتحكمهم فيه.


ما وراء المعرفة - ما وراء الفهم - الفهم القرائي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع