مدونة أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق


تكملة مقال المجتمع المسلم المثال

أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق | prof-tarig elsadig abd alsalam


11/10/2020 القراءات: 1855  


وعلى هذا فالدين الإسلامي يواجه الواقع البشري الموجود ويزنه بميزانه – من حيث القواعد السالف ذكرها – فيقر منها ما يقر ويلغي منها ما يلغي ويعدل منها ما هو في حاجة إلى تعديل وينشئ واقعاً كاملاً متكاملاً قائم على أصوله، أي أن الإسلام – والمجتمع المسلم – في تعامله مع الواقع البشري يتعامل بأسلوب نقدي بنائي معياري، فهو لا يهدم ولا يلغي كل ما هو موجود، كما لا يقبل بكل ما هو موجود على علاته، ولا ينتقي من هذا وذاك، إنما منهجه قائم على هضم هذا الواقع البشري وإنشاءه على منهجه القائم على التصور ألاعتقادي الإسلامي.
​وهذا يدل على أن مصالح البشر هي المحدد للواقع البشري في المجتمع المسلم، إذ أن هذا المجتمع القائم على العبودية الحقة لله تعالى يعي جيداً قوله تعالى ((وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) (). مما يدل على أن شريعة الله تعالى متضمنة المصالح الكلية للبشر والتي تتفرع عنها كافة المصالح والحاجات الإنسانية الأخرى، وعليه فالمصالح الخارجة عليها إنما تدخل في مجال آخر مما يمكن إجماله بالهوى، والله تعالى يقول في ذلك ((إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى، أم للإنسان ما تمنى، فلله الآخرة والأولى)) ().
​والمجتمع المسلم يقوم بناءه الفلسفي على التصور الإسلامي الذي يقوم بدوره على أساس أن هذا الوجود كله من خلق الله، اتجهت إرادة الله إلى كونه فكان، وأودعه قوانينه التي يتحرك بها والتي تتناسب بها حركة أجزاءه فيما بينها، كما تتسق بها حركته الكلية، وعليه فإن شريعته لتنظيم حياة البشر هي شريعة كونية بمعنى أنها متصلة بناموس الكون العام ومتناسقة معه، ومن ثم فالالتزام بها ناشئ من ضرورة تحقيق التناسق بين القوانين التي تحكم فطرة المضمرة، والقوانين التي تحكم حياتهم الظاهرة مدركاً ضرورة الالتئام بين الشخصية المضمرة والشخصية الظاهرة للإنسان ().
​وعليه تكون روح الإسلام هي التي تسود هذا المجتمع وهي التي تشكل الأساس الثقافي لهذا المجتمع، إذ أن هذا المجتمع وفي بداية تكوينه الأولى لم يكن يسير فقط تبعاً لقوانين الإسلام وتعاليمه، بل تبعاً للروح المبثوثة في هذه القوانين والتعاليم أيضاً، حيث كان الرسول (ص) باعث هذه الروح ومركز إشعاعها، والتي تدل عليها الآية الكريمة في قوله تعالى ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم))()، هي هذه الروح التي تتولد عن حب الله وحب الخير، وحب المسلمين بعضهم بعضاً في الله، هذا الحب الذي يكون بين الإنسان وربه هو الذي ينمى عبادة الإنسان بإخلاص وحرص على تقوية صلته به وهو الذي يجعل للنظم وقعها الذاتي في نفس الإنسان حيث تكون لذة ومتعة هذا الإنسان في فعل الخيرات والإيثار، وهذه الروح هي التي تسود هذه التعاليم والنظم الإسلامي وهي التي يمكن أن نعتبرها الإطار الإسلامي الكلي، والذي يجب أن تدور فيه كل الحاجات والقواعد السلوكية المنظمة لها داخل المجتمع الإسلامي، والتي تميز هذا المجتمع عما دونه من المجتمعات المختلفة، من حيث تكوينه البنائي الداخلي والذي يرتكز على تلك الأسس السالف ذكرها والتي تسودها هذه الروح والتي تزودها بالجانب النفسي المدعم لها.
​وقد حوت وثيقة المدينة المحددات العامة لتنظيم المجتمع الإسلامي داخلياً من حيث تنظيم الروابط بين المسلمين بعضهم البعض، والتي كانت ترتكز على المؤاخاة كفلسفة روحية عميقة ترسخ معاني روح الإسلام التي تسود نظمه، كما أنها حوت تنظيم علاقاته الخارجية ووضعت الأسس النظرية وتكيفاتها العملية لقيام مثل هذه العلاقات بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى، وبين المسلمين وغير المسلمين في داخل المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى، وبين المسلمين وغير المسلمين في داخل المجتمع الإسلامي، ولا مجال هنا للخوض في معالجة أمر غير المسلمين داخل جسم المجتمع الإسلامي، وإن كان يعنينا ما يجري عليهم من قواعد سلوكية يصوغها ويحتمها عليهم وجودهم في داخل هذا المجتمع.
​وقصارى القول أن المجتمع الإسلامي – أو المجتمع المسلم – مجتمع تسوده روح الإسلام وتعاليمه ونظمه، ويقوم على مبدأ العبودية الكاملة لله، وعلى هذا تقوم نظمه وبناءاته على تلك الروح التي تعد الإطار الأشمل الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي في هذا المجتمع.
​والذي هو في صورته المثالية – أو المجتمع الذي استدمج كلياً تعاليم الإسلام ونظمه- ويبدو وكأنه ذو إطار واحد وبشكل واحد أو ما يمكن أن نطلق عليه إجمالاً مفهوم الأمة، وإن كان هذا لا ينفي أن هذا المجتمع لاسيما عند اتساع رقعة الإسلام تكون به بعض الفروقات خصوصاً عند تعدد الجماعات المنتمية للإسلام والتي قد تشكل مجتمعات متعددة، ولكن هذه الفروقات، خصوصاً عند تعدد الجماعات المنتمية للإسلام والتي قد تشكل مجتمعات متعددة، ولكن هذه الفروقات لا تمس بصورة أو أخرى الأصول التي يرتكز عليها المجتمع الإسلامي في عمومه (الأمة)، وإن بدت مثل هذه الفروقات إنما تكون في تمثيل العام، أو في درجة الاستجابة الفعلية (الواقعية) للصورة المثالية، أو في درجة تنزيل هذه الأصول على الواقع.
​والذي يسعى إليه المجتمع المسلم – وأفراده – هو تحقيق الصورة المثالية للإسلام، والتي هي قابلة للتطبيق الواقعي، وجهد المسلمين يتجه إلى تحقيقها في أرض الواقع.


المجتمع المسلم المثال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع