القراءة المتأنية وحياة النص" د.رجاء بنحيدا
د. رجاء بنحيدا | Rajae benhida
21/01/2021 القراءات: 3781
القراءة المتأنية وحياة النص //د. رجاء بنحيدا
حسب تعبير خورخي لويس بورخيص (( الحياة موجودة في القراءة ، أكثر مما هي موجودة في الواقع))
تعبير توقفت عنده ، لفلسفته القرائية الجميلة، فدعاني إلى طرح أكثر من سؤال : هل يمكن أن نحصر الحياة - كما نريدها - في ذاكرتنا ، في واقعنا القرائي ، وفي تمثلاتنا ، بين بابات هذا الكتاب أو ذاك ؟! وكيف يحصل ذلك ومتى ؟؟
صحيح أن الفعل القرائي هو فعل إنساني ، يبني ذاكرة وحياة مشتركة في الواقع والتمثل ، لكن كيف يمكن من خلاله أن نؤسس هذه العلاقة وهذه الحياة المشتركة ، من خلال كتاب ما ، أو نص معين ... ؟!؟
إن الفعل القرائي هو ترحال وجولة في مساحة النص الإبداعي لتقريب الرمز من الرمز ، وضم العلامة إلى العلامة ، هو سفرإلى تلك المعاني والدلالات المبطنة داخل هذا النص القابل لأن يقرأ، وبحرية وبحرفية وبتمعن من طرف قارئ يتمكن من بسط نفوذه بوصفه فارسا مغوارا، وبلا منازع ..في سبيل اكتشاف أغوار هذه الدلالات والمعاني المبطنة .
فالفعل القرائي هو عملية تحريرية من كل القيود وأشكال الأسر ، بل هو انطلاق وتحرر من الذات وانصهار في الكتابة من طرف ((قارئ متأمل يستطيع تحرير النص من سلطة التفسير، ومن ثم إطلاقه مرة أخرى لكي يكون دالا عاما ومدلولا ينزلق )) حسب تعبير " جاك لا كان "..
هذا يدل على أن كل قراءة جديدة ، تحقق معنى دلاليا لم يتحقق من قبل ، هي إبداع آخر ..لكن من داخل بطن الإبداع الأم ،بمعنى أن قبول التعدد موسوم بشروط الارتباط الموضوعي بعناصر ومكونات النص ، ((فالانطلاق من النص والاحتكام إلى النص )) يجعل التنوع والتعدد مقبولا وسائغا ، حتى لا يُترك الحبل على الغارب ...
إذن فالقارئ ليس علامة على طريق مغلق وقراءة أحادية ، بقدر ما هو حضور لهذا التعدد والتنوع الذي تنطوي عليه عناصر النص ، (( فكل قارئ للنص يجسد في حقيقته أحد المعاني الممكنة للنص المقروء ، ويمثل القراء بعددهم المتناهي تشظيات للدلالة ، وتفجرات لها في كل اتجاه... إن الركون إلى استجابة القارئ هو طريق لا نهاية له ، صوب معانٍ للنص لا نهاية لها(( 1-
ممايؤكد أن كل فعل قرائي جديد هو اكتشاف جديد ..
ولكن السؤال المحوري .. الأساس ، هل هذا الفعل القرائي الإبداعي .. يقتضي -أولا وقبل أي شيء -التمكن من كل الأدوات والمقاربات المنهجية .. ؟؟
أقول أن الفرق بين الفعل القرائي الإبداعي من طرف قارئ عادي ، وناقد متخصص ، هو فرق في كيفية التعامل مع النص الإبداعي وفي تلك الإجراءات المنهجية المتبعة لتحليله بمعنى لا يشترط فعل القراءة ضرورة التسلح بتلك النظرا ت النقدية الأدبية ، لكن هناك طرائق وخطوات وقواعد للقراءة المتأنية ، نعم القراءة المتأنية هي السبيل إلى التماهي مع مادة النص هي كذلك السبيل إلى بذل نفس الجهد ونفس صياغة النص الأم حتى يتمكن القارئ الفارس المتأني من امتطاء صهوة النص وتحرير طاقته الإبداعية من أسر الغرابة والغموض .
وأول خطوة لهذه القراءة المتأنية تتمثل في اقتحام خصوصية هذا النص وعدم الاقتصار على عمليات التصنيف أو الالتقاط ، بل تتعداه إلى الاقتراب منه لكسب صداقته ومودته ، وبالتالي الانتقال إلى ذاك المستوى العميق حيث يرقد بركان النص الخامد ..
1- عبد الله الغدامي : تأنيث القصيدة والقارئ المختلف ، ط2- المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ص108
2-علي جعفر العلاق : الشعر والتلقي.. دراسات نقدية ط1-1997-ص65.
قراءة _ نص_ القارئ _ حياة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع