مدونة د. رجاء بنحيدا


التدوير في الشعر الحر __ بقلم د.رجاء بنحيدا

د. رجاء بنحيدا | Rajae benhida


15/12/2020 القراءات: 10186  



ظاهرة التدوير في الشعر الحر/د.رجاء بنحيدا

يعد مصطلح التدوير من الظواهر الإيقاعية التي انتشرت في الشعر الحديث ، ولم يرد عند القدماء إلا تحت مصطلح المتداخل والمدمج (( والمداخل من الأبيات ما كان قسميه متصلا بالآخر غير منفصل عنه ، قد جمعتهما كلمة واحدة ، هو المدمج أيضاً ،وأكثر ما يقع ذلك في عروض الخفيف ، وهو حيث وقع من الأعاريض ، دليل على القوة ، إلا أنه في غير الخفيف مستقل عند المطبوعين، وقد يستخفونه في الأعاريض القصار كالهزج ومربوع الرمل .. وما أشبه ذلك ))
فالتدوير يمنح الأولوية للتطابق الوزني واللغوي .. وينفي التقسيم بين الشطرين أو السطرين ، والملاحظ أن بداية تجربة التدوير في الشعر الحر تتسم بالجزئية، إذ اتخذت شكل إطالة السطر الشعري كما نجد في أشعار الخمسينات وأوائل الستينات ،لتأخذ في ما بعد شكل القصيدة بأكملها ودون توقف ،مما جعل القصيدة المعاصرة متجددة على نحو خلاق وعميق .. وغني عن البيان .
وعلى حد اعتراف نازك الملائكة إذ تؤكد أن التدوير (( قد أسبغ على البيت فائدة غنائية وليونة لأنه يمده ويطيل نغماته )) ورغم ذلك نجدها تُوجه مجموعة من الانتقادات لهذه الظاهرة الإيقاعية التي قد تضفي بحضورها ظواهر سلبية .. من مجملها :
- أن شعراء القصيدة المدورة يقلبون همزة القطع في أل التعريف إلى همزة وصل .. وهو ما لم يحدث في تاريخ الشعر العربي
- إكثار الشاعر من استعمال الجملة الإسمية خلافا للمألوف في اللغة العربية
- حذف حروف الربط مثل واو العطف وفائها وثم وسائر الحروف التي تصل بين الأسماء والأفعال ، وتعطي الكلمات دفئا.
- غياب القافية التي تنزل وكأنها رصاصة في خاتمة كل صدر ..
هي انتقادات لاذعة من شاعرة حملت لواء التغيير للشكل الهندسي و الوزني للشعر العربي لكنها هنا ، ألغت من مفاهيمها تطور الأحوال والظروف التي يترتب عنها-ولا محالة -تطور في القواعد ..
وهذا ما أشار إليه الناقد طراد الكبيسي في قوله :(( فتمسك نازك الملائكة بالمعنى الاصطلاحي للتدوير في الشعر القديم جعلها تنسى أنها إنما تتحدث عن شعر يغاير في تركيبه وجملته الموسيقية ، ونظامه العروضي ، نظام الشعر القديم ، فالشعر الحر شهد تطورا من ناحية الأساليب والتراكيب وموسيقا الشعر . ))
فحين تتمسك نازك بالأذن العربية وكل ماهو مطلق ، وله علاقة بالصيغ اللغوية الموروثة ، إنما هي تعمد إلى إلغاء ظاهرة لها دور كبير في إحداث اهتزاز قوي في تنويع الإيقاع الشعري .. وبالتالي تقيم عزلة عقيمة عن كل فعالية معاصرة متجددة ...
ولاجرم أن التدوير يزيد من قوة الربط الموجود بين الأبيات على المستوى الداخلي للتركيب النصي ،مما يجعل البنية العروضية متماسكة ، كما أنه تأكيد للبعد الوظيفي للغة الشعرية وأسبقيتها على الوزن ، وانزياح عن الأشكال القديمة الثابتة ، فحين يعمد الشاعر إلى خرق الوقفة العروضية فإنه يعمل على تطويع التفاعيل للاستجابة للدفقة الشعورية والاسترسال الدلالي والنظمي والإيقاعي .. بكامل الحرية ودون أي عائق .
- يتــــبـــع -


ظاهرة .التدوير.الشعر .الحر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع