مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
أي عبدي فيم أذهبت مال الناس؟
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
13/05/2023 القراءات: 395
وتلخيص ما سبق أن من أخذ مالا بغير سبب محرم يقصد الأداء وعجز إلى أن مات فإنه يطالب به في الآخرة عند أحمد، وفي كونه صريحا، أو
ظاهرا نظر، ولم أجد من صرح بمثل ذلك من الأصحاب وسبق كلام القاضي والآجري وابن عقيل وأبي يعلى الصغير وصاحب المحرر: لا يطالب وليس إنفاقه في إسراف وتبذير سببا في المطالبة به خلافا للآجري مع أنه مطالب بإنفاقه في وجه غير منهي عنه.
وأما من أخذه بسبب محرم وعجز عن الوفاء وندم وتاب فهذا يطالب به في الآخرة ولم أجد من ذكر خلاف هذا من الأصحاب إلا ما فهمه صاحب الرعاية مع أنه فهم مع القدرة أيضا وهذا غريب بعيد لم أجد به قائلا، وإن احتج أحد لذلك بأن التوبة تجب ما قبلها فلا نسلم أن القادر على أداء الحق تاب إذا لم يؤده؛ ولأن من المعلوم المستقر في الشريعة أنه لو ادعى عليه أنه غصب منه كذا فأقر به ألزم بأدائه وأنه لو أجاب: تبت من ذلك فلا يلزمني أنه لا يقبل منه بلا شك وأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وبطلت الحقوق.
ولأن غايته أنه لا ذنب له. ومن أخذه بسبب مباح لا يمنع من طلبه به وإلزامه به إجماعا فهذا أولى لظلمه، وإذا كانت توبة القاتل لا تمنع القود إجماعا على ما ذكره الشيخ تقي الدين فالمال أولى، وإن احتج به في حق العاجز المفرط في الأداء فالمراد به غير المال بدليل ما سبق وما يأتي ولكن يدل للقول فيمن أخذ مالا بغير سبب محرم ما سبق من خبر ميمونة وخبر أبي هريرة وهما خاصان أخص مما يدل على خلافهما فيجب تقديمهما، وإن خالفهما ظاهر حمل على غير مدلولهما كذلك؛ لأن فيه توفيقا وجمعا وما روى الإمام أحمد - رضي الله عنه - في المسند قال: حدثنا يزيد أنبأنا صدقة بن موسى عن أبي عمران الجوني عن قيس بن زيد عن قاضي المصرين عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله تعالى ليدعو بصاحب الدين يوم القيامة فيقيمه بين يديه فيقول أي عبدي فيم أذهبت مال الناس؟ فيقول أي رب قد علمت أني لم أفسده إنما ذهب في غرق، أو حرق، أو سرقة، أو وضيعة، فيدعو الله عز وجل بشيء فيضعه في ميزانه فترجح حسناته» .
حدثنا عبد الصمد ثنا صدقة ثنا أبو عمران حدثني قيس بن زيد عن قاضي المصرين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يدعو الله عز وجل بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقال: يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم ألبس ولكن أتى علي هكذا، إما حرق، وإما سرق، وإما وضيعة. فيقول الله عز وجل: صدق عبدي أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله عز وجل بشيء فيضعه في كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخله الجنة بفضل رحمته» ولو عوقب وعذب من هذه حاله لكلف بالمحال لعدم تفريطه وتعديه.
وقد قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] ولأنه غير آثم لما تقدم وكل من كان غير آثم كان غير معذب بالإجماع، ولم يصح في الضمان غير قصة أبي قتادة ولا يلزم منها تعدد الشخص وهي قضية في عين محتملة وسبق في القصة قوله لأبي قتادة «الآن بردت عليه جلده» .
ووجه الأول وهو أنه قد يعاقب وقد يعوض الله عز وجل المظلوم ما تقدم من الخبر وحديث الدواوين «ديوان لا يغفر الله منه شيئا وهو مظالم العباد» رواه أحمد من حديث عائشة - رضي الله عنها - وحديث «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض شيء فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» وهذا العاجز عنده مظلمة ولم يحلله صاحب الحق.
وحديث «الشهيد يكفر عنه كل شيء إلا الدين» وما ورد في شهيد البحر من زيادة والدين فضعيف، وحديث غفران ذنب الحاج بعرفة إلا التبعات رواه الطبراني من حديث عبادة وما ورد من غفران التبعات وتعويض أصحابها فضعيف، وحديث «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» .
وقال أبو داود في باب التشديد في الدين حدثنا سليمان بن داود
المهري أنبأنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب أنه سمع أبا عبد الله القرشي سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أعظم الذنوب عند الله عز وجل أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عز وجل عنها أن يموت رجل عليه دين لا يدع له قضاء» .
كذا في نسخة " إن أعظم " وفي نسخة " إن من أعظم أبو عبد الله القرشي تفرد عنه سعيد فلهذا قال بعضهم لا يعرف لكن سعيد من الثقات الذين روى لهم الجماعة. والله أعلم، وقد يقال: والأخبار السابقة عامة وإخراج هذا الفرد منها يفتقر إلى دليل والأصل عدمه، وهذا ضعيف، ولأنه دين ثابت في الذمة؛ لأن الموت لا يسقطه بدليل صحة ضمانه، ولو تبرع إنسان بقضائه جاز لرب الدين قبضه، ولأن من ضمن مفلسا حيا لا يبرأ بموته ولو برئ المضمون برئ الضامن وما ثبت الأصل دوامه واستمراره ولم يزل إلا بمزيل.
وزواله من غير بدل ولا تعويض إجحاف بصاحب الحق وإضرار به فوجب اطراحه، وهذا ضعيف أيضا، وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر ضعيف؛ لأن ابن معين وأبا داود والنسائي وغيرهم ضعفوا صدقة بن موسى وهو الدقيقي وقيس بن زيد لم أجد من يروي عنه غير أبي عمران الجوني.
وقال أبو الفتح الأزدي ليس بالقوي وقاضي المصرين وهما البصرة والكوفة هو شريح القاضي الإمام المشهور، وإن صح هذا الخبر فإنما هو في حق من أصيب في ماله فقابل ثواب المصيبة حق صاحب المال فلهذا خلص من تبعته في الآخرة بخلاف مسألتنا: {ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف: 49] .
من أن الخبر لا يلزم منه سقوط المطالبة عن كل مدين ولله سبحانه أن يتفضل بما شاء على ما يشاء من عباده، ولأنه في الآخرة موسر مكلف فكلف بالخلاص من الحق كما لو أيسر في الدنيا، ويساره إما بحسناته، وإما بأن يحمل من سيئات صاحبه عليه كما دل عليه الخبر الصحيح. وبهذا يعرف ضعف القول بأنه من تكليف المحال وهو أيضا لزمه بفعله واختياره.
ودعوى أنه غير آثم إن أريد بوجه ما فممنوع، وإن أريد به من بعض الجهات فيسلم، ولكن لا ينتج الدليل، وبسط القول في ذلك يطول وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى،
إن الله تعالى ليدعو بصاحب الدين يوم القيامة فيقيمه بين يديه فيقول أي عبدي فيم أذهبت مال الناس؟
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع