مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


بين عبيد النجاح وعباد الفلاح

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


15/07/2023 القراءات: 337  


بين عبيد النجاح وعباد الفلاح
القرآن الكريم يُعجز كل من يبحر فيه، ويأسر كل من يتأمله، ويأخذ بلب كل من يستمع إليه، ويقهر كل من يتحداه، ولا يمل الناظر إليه، ولا تنتهي عجائبه مهما تغير الزمان أو تبدل المكان، كلماته دقيقة، ومعانيه عميقة، ومتعة الإبحار فيه لا يدركها إلا من عايشها.
ومن تلك الكلمات العميقة والدقيقة كلمة (الفلاح) فقد وردت هذه الكلمة بمشتقاتها المختلفة بين الفعل والاسم 40 مرة، ومنه قوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8].
ومعنى (حي على الفلاح) في الأذان؛ قال النووي في شرح صحيح مسلم: (حي على الصلاة) معناه: تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، ومعنى (حي على الفلاح) هلموا إلى الفوز والنجاة، وقيل: إلى البقاء، أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنة.
وجاء في عون المعبود: قال الطيبي معنى الحيعلتين: هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً والفوز بالنعيم آجلاً.
وهناك فرق كبير بين الفلاح والنجاح، فقد ينجح الإنسان ولا يكون مفلحًا؛ لأن (النجاح) مجرد الظفر بالحاجات الدنيوية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (تَعِسَ عَبدُ الدِّينارِ، تَعِسَ عَبدُ الدِّرهمِ، تَعِسَ عَبدُ الخَميصةِ، تَعِسَ عبدُ الخميلةِ، تَعِسَ وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ) [رواه البخاري]، ومعنى تَعِسَ أي: عَثُرَ وسَقَطَ على وَجْهِه، فانجح ولا تكن من عبيد النجاح.
أما (الفلاح) فيجمع بين الدنيا والآخرة، وعنه قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ} [الأعلى:14].
وقد تكرر في القرآن الكريم ثلاث مرات قوله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} مرة في سورة [البقرة:189] ومرتين في سورة [آل عمران: 130-200]، جعلنا الله وإيّاكم من المؤمنين المفلحين.
ولكن هناك أربعة أصناف نفى القرآن الكريم عنهم الفلاح، فلا يفلح الكافرون ولا الظالمون ولا المجرمون ولا الساحرون.
قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117]،
وقال تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21]،
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:17].
وقال تعالى أيضاً: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس:77].
ولما كان النجاح أمراً دنيوياً، وفي جانب واحد فقط؛ وذلك ككل الناجحين في التجارة والصناعة والزراعة؛ والتنمية المادية والبشرية، لذلك لم يذكر النجاح في القرآن الكريم؛ لأنه نجاح محدود في الدنيا.
أما إذا نجحت في معرفة الله تعالى، ومعرفة منهجه وتطبيقه، عندئذٍ تنقلب هذه النجاحات إلى فلاح، والفلاح يكون في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5].
فالنجاح هو تحقيق ما تريده أنت، والفلاح هو تحقيق ما يريده الباري سبحانه وتعالى منك، ويستحيل أن تطيع الله تعالى وتخسر، كما يستحيل أن تعصيه وتربح.
فإن فاتك الأول وهو النجاح؛ فلا يفتك الثاني وهو الفلاح، وإن فاتك الثاني (الفلاح) فلا خير أبداً في الأول وهو (النجاح) الدنيوي فقط.
اللهم اجعلنا من عبادك الناجحين المفلحين يارب العالمين.


عبيد النجاح، عباد الفلاح، لا يفلح، قد أفلح، النجاح الدنيوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع