مدونة د. عماد ملكاوي


من الوعي إلى المعرفة ومن الفقر إلى الثراء ( الجزء الثاني )

عماد ملكاوي | Imad Malkawi


25/11/2021 القراءات: 2037  


عرفنا في الجزء الأول من الموضوع أن المسار العلمي يتألف من أربعة مستويات أدناها الوعي والذي يتكون نتيجةً لتجميع المعلومات والبيانات وتخزينها في وعاء العقل أو الدماغ، وأن تكوين الوعي عملية مستمرة طوال حياة الإنسان. لكن هذه البيانات والمعلومات لا ينتج عنها قناعات أساسية تحكم سلوك صاحبها. وباختصار يمكن وصف الوعي بأنه مستوى تتوفر فيه بيانات ومعلومات متنوعة بدون قناعات حاكمة أو ملزمة. أما المستوى الثاني والأعلى فهو الثقافة وفيه تتحول بعض المعلومات إلى قناعات أساسية في مجال أو أكثر من مجالات اختصاص صاحبها يظهر أثرها على شكل التزام يتحول فيه العلم إلى عمل. والمستوى الثالث هو مستوى الفكر وفيه يكون الإنسان قادراً على التقييم والتحليل والاستنتاج وتقديم الإضافة المعرفية على شكل أفكار ومعلومات جديدة. أما المستوى الرابع والأرقى فهو مستوى المعرفة الذوقية وصاحبه يكون واعياً ومثقفاً ومفكراً يمتاز بالحس والذوق في فهم المعلومة وإنتاج الفكرة في حالةٍ من الابداع والامتاع. وقلنا إن المسار العلمي بمستوياته الأربعة يوازي ويلازم المسار المادي المالي والذي بدوره يتألف من أربعة مستويات هي الفقر والاكتفاء والغنى والثراء. ويمكن وصفها على النحو التالي: 1. مستوى الفقر: وهو المستوى الذي لا يقدر الإنسان فيه على تأمين بعض أو كل الحاجات الأساسية وهي الطعام والشراب واللباس والسكن والتعليم والصحة. وهو مستوى الصعوبة والمعاناة المادية. 2. مستوى الاكتفاء: ويتميَّز بالقدرة على تلبية الحاجات الأساسية المذكورة بالإضافة إلى قدر معقول من الرفاهية. وهو مستوى الرضا والقناعة المادية. 3. مستوى الغنى: وفيه يكون الإنسان قادراً على تلبية الحاجات الأساسية بالإضافة إلى قدر كبير من الرفاهية المادية. 4. مستوى الثراء: وهو فوق الغنى وصاحبه قادر على تلبية كل ما يريد من رفاهية ومتعة مادية. والآن يمكن ملاحظة التلازم بين مستويات المسارين المعرفي والمالي كما يلي: 1. في مستوى الوعي في المسار المعرفي فإن عدم وجود قناعات أساسية يجعل الإنسان في حياته الوظيفية أو المهنية متقلباً متردداً يبدأ ثم يتوقف ثم يبدأ من جديد وهذا ينعكس على الحالة المادية التي لا تسمح لصاحبها بتلبية الحاجات الأساسية وتجعله في مستوى الفقر. ومن المهم أن نلاحظ أن هذا الافتقار ينطبق على أغلب الحالات وليس على جميعها فدائماً هناك استثناءات لا تنفي القاعدة. فقد نجد شخصاً في مستوى الوعي لكنه غني مادياً وسبب غناه أنه من عائلة ثرية أصلاً وبالتالي نحن لا نتحدث عن هذه الاستثناءات وهي موجودة في كل المستويات المعرفية والمادية. 2. في مستوى الثقافة يكون لدى الشخص المثقف قناعات والتزامات تحكم سلوكه وتنعكس على حياته الوظيفية والمهنية وتجعلها مستقرة تتراكم فيها الخبرات والإنجازات، وذلك يؤدي إلى ارتقاء في المستوى المادي وصولاً إلى الاكتفاء الذي يسمح بتلبية الحاجات الأساسية مع قدر معقول من الرفاهية. مع وجود بعض الاستثناءات التي تخالف القاعدة كما قلنا سابقاً. 3. في مستوى الفكر حيث القدرة على التحليل والاستنتاج والإضافة ينعكس ذلك على الحياة الوظيفية والمهنية فتجد الشخص المفكر قادراً على اكتشاف الفرص واستغلالها وبالتالي تحقيق إنجازات مادية تجعل صاحبها في مستوى الغنى. 4. أما في المستوى الأرقى مستوى المعرفة الذوقية والتي يتميز فيها العارف بالإحساس المرهف والذوق الرفيع مع كل مزايا وقدرات الواعي والمثقف والمفكر فإن الحالة المادية ستكون في حدود الثراء نتيجة الإبداع والابتكار الذي يقدمه العارف. خاصة وأن الواصلين إلى مستوى المعرفة الذوقية قليلون ومبدعون وإنتاجهم مرغوب ومطلوب والمنافسة معدومة أو قليلة مع وجود الاستثناءات التي قلنا سابقاً أنها لا تنفي القاعدة. وبناءً على ما سبق يمكن القول أن: مستوى الوعي = مستوى الفقر. مستوى الثقافة = مستوى الاكتفاء. مستوى الفكر = مستوى الغنى. مستوى المعرفة الذوقية = مستوى الثراء. والنتيجة أن الارتقاء في المسار المعرفي سوف يؤدي في أغلب الأحيان إلى الارتقاء في المستوى المادي. وقد يقال إن هذا أمرٌ معروف وهذا الذي يدفع الناس إلى الالتحاق بالمدارس والجامعات. والحقيقة أن هذا الأمر غير دقيق لسببين: الأول أن التعليم الأكاديمي يربط المستوى المعرفي للطالب بالدرجات الأكاديمية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراة) وهذه لا تعبر بالضرورة عن المستوى المعرفي الحقيقي من وعي وثقافة وفكر ومعرفة ذوقية. والسبب الثاني أن المسارات الأخرى غير الأكاديمية مثل مسارات المهن والحِرَف والآداب والفنون قد لا تمر بالمسار الأكاديمي في الجامعات لكنها تحقق المستويات المعرفية من الوعي إلى المعرفة الذوقية وبكفاءة عالية. والمهم أن نعرف السر الذي يُسهِّل على الإنسان الارتقاء في مستويات المعرفة بسهولة ومتعة. وهذا ما سنعرفه في الجزء الثالث من هذا الموضوع إن شاء الله. >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> يمكنك حضور ورشة عمل لاتقان الانتقال من الوعي إلى المعرفة ومن الفقر إلى الثراء على الرابط التالي: https://bit.ly/3FPNRpS 


الوعي/ الثقافة / الفكر/ المعرفة/ الثراء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع