مدونة د. عماد ملكاوي


من الوعي إلى المعرفة ومن الفقر إلى الثراء ( الجزء الأول )

عماد ملكاوي | Imad Malkawi


21/11/2021 القراءات: 2704  


أكثر ما يُميِّزُ الإنسان في مجال المعرفة العلمية قدرته على الارتقاء في المسار العلمي ابتداءً من الحصول على المعلومة وفهمها بالوعي ثم الاستجابة لها بالثقافة ثم الاستنتاج منها والبناء عليها بالفكر وصولاً إلى المستوى الذي يكون فيه الفهم والاستجابةً والاستنتاج حالة ذوقية حِسِّية تتميز بالإبداع والاستمتاع والقدرة على الامتاع. وفيما يلي تفصيل المستويات الأربعة للمسار العلمي. لأن معرفتها وفهمها يساعد من يريد الارتقاء: 1.الوعي: أول مستويات المسار العلمي الوعي الذي يبدأ مع الإنسان من لحظة وجوده. وكما هو واضح من التسمية فكلمة الوعي من الوعاء الذي تجمع في الأشياء. يقول الله تعالى في سورة المعارج آية 18: "وجمع فأوعى" أي جمع المال فجعله في وعائه. فالوعي يتكون عند الإنسان نتيجة جمع المعلومات التي تلتقطها الحواس والتي يتعلمها من خلال التربية والتعليم ومصاحبة الأقران والقراءة والدراسة في المدرسة والجامعة. ويتميز مستوى الوعي بتنوع المعلومات وتعدد مجالاتها وهي كأي مستوى آخر غير مرتبطة بالدرجة العلمية الأكاديمية فقد يكون في مستوى الوعي شخصٌ أُمّيْ لا يقرأ ولا يكتب وشخصٌ يحمل درجة الدكتوراة في مجالٍ من المجالات، ووجودهما في مستوى الوعي لا يعني أنهما متساويان في المعرفة لكنه يعني أن كلاً منهما لم يصل بعد إلى المستوى الثاني الأعلى وهو مستوى الثقافة. 2.الثقافة: مهما زاد حجم المعلومات التي يمتلكها الإنسان في مستوى الوعي ومهما تنوعت واختلفت فإن قيمتها الحقيقية تتمثل في التأثير الذي تحدثه في سلوك صاحبها. فإذا كان ما تدل عليه المعلومات في واد وسلوك حاملها في وادٍ آخر فإن هذا النوع من العلم ينفع للاستعراض والتنظير ولا يؤدي إلى التطور والتغيير. ولا يمكن أن يقال عن الذي يملك المعلومات دون أن تؤثر فيه إلا أنه في مستوى الوعي وقد يحمل أرفع الدرجات الأكاديمية وقد يلقي المحاضرات ويؤلف الكتب لكنه لا يستحق بحالٍ من الأحوال صفة مثقف لأن المثقف هو من ثقفته المعلومات وأثرت فيه والتزم بها. وكمثال على ذلك لو أن إنساناً درس علوم البيئة وأتقنها وبرع فيها وعلم كل ما يضر بالبيئة وكل ما ينفعها وكل ما يجب فعله لحمايتها لكنه عند التطبيق ضرب بكل ذلك عرض الحائط وارتكب المخالفات البيئية، هذا الشخص يستحق لقب واعٍ في البيئة لكنه ليس مثقفاً لأن الثقافة تعني الالتزام. ومن هنا ندرك الخطأ الشائع الذي درج على ألسنة الناس وهو اعتبار من يملك معلومات واسعة ومتنوعة مثقفاً. والصحيح أنه لا يكون مثقفاً إلا إذا أثرت فيه العلوم وحكمت سلوكه. وما يجب الانتباه له أن المستوى العلمي الذي نقصده ليس محصوراً في المجالات الأكاديمية العلمية والأدبية وإنما ينطبق كذلك على الفن والحرفة والصنعة والمهنة، وأن الدرجة العلمية ليست شرطاً للوصول إلى المستوى وليست دليلاً عليه. 3.الفكر: عندما يصل المثقف إلى مستوى الذي يستطيع فيه التعمق في المعلومات وتحليلها وسبر أغوارها واكتشاف العلاقات والروابط بينها وبين غيرها ثم البناء على ذلك واستنتاج أفكار ومعلومات جديدة وإحداث التغيير والتطوير عندها يكون قد وصل إلى مستوى الفكر ويستحق وصف المفكر. أي أن المفكر هو المثقف الذي استوعب المعرفة اللازمة في مجاله وأتقنها وأصبح قادراً على التقييم والتحليل وتقديم الإضافة العلمية أو الأدبية أو الفنية والمساهمة في إثراء هذا المجال بالتأليف والتعليم والتدريب. وفي العادة يجد القبول من أقرانه المفكرين ومن طلبة العلم ومن أهل الصنعة والحرفة في مجاله. 4. المعرفة: أكثر من الوعي وأقوى من الثقافة وأعمق من الفكر ذلك هو مستوى المعرفة والذي أحبُّ أن أسميه مستوى المعرفة الذوقية أو مستوى الحِس المعرفي. من يصل إلى مستوى المعرفة يمتلك قدراً من الشفافية والحس المرهف في مجاله بحيث يتحول المجهود العلمي والفكري الذي يبذله إلى حالة من المتعة العقلية والفكرية فهو يكتشف الجميل والجديد في مجال علمه أو أدبه أو فَنِّه بالحس والتذوق فيراه مكشوفاً واضحاً مع أنه غامضٌ مخفيٌ عن غيره ممن لم يصلوا إلى مستوى المعرفة الذوقية. وهو قادرٌ على إمتاع الآخرين بعلمه وفنِّه حين يقدم انتاجه لهم. ويمكن القول إن الذين برعوا في تخصصاتهم من علومٍ وآدابٍ وفنون في بلدانهم أو وصلوا مرحلة العالمية ونالوا الاستاذية والشهرة قد وصلوا إلى مستوى المعرفة الذوقية فأبدعوا واستمتعوا وأمتعوا. ويمكن أن أذكر بعض الأمثلة عن العارفين في بعض المجالات: ففي العلوم الشرعية تربع أئمة الفقه أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد على عرش المعرفة الفقهية وهم غيضٌ من فيض في هذا المجال. وفي علم الاجتماع كان ابن خلدون عارفاً. وفي الفلسفة وصل ابن سينا وابن رشد والفارابي إلى مستوى المعرفة فأجادوا وأبدعوا وفي الأدب والشعر وصل المتنبي وأحمد شوقي وشعراء المهجر إلى مستوى المعرفة الذوقية فأبدعوا وأمتعوا. وفي هندسة العمارة وصلت زاها حديد إلى المعرفة وأبدعت. وقل مثل ذلك عن مصطفى صادق الرافعي وأحمد زويل في مجالاتهم. وأترك لكم حرية ضرب الأمثلة لمن وصلوا مستوى المعرفة الذوقية في مجالات المهن والحرف والرياضة والفنون. وإذا كان المسار المعرفي كما ذكرنا يتألف من أربع مستويات هي الوعي والثقافة والفكر والمعرفة. فإن المسار المالي أو المادي للأشخاص ينقسم إلى أربعة مستويات هي 1. الافتقار 2. الاكتفاء 3. الغنى 4. الثراء. وإنني على قناعة بتلازم المساريين المعرفي والمادي بحيث أن من يكون في مستوى الوعي فهو فقير وعند مستوى الثقافة يصل إلى الاكتفاء وفي مستوى الفكر يبلغ درجة الغنى وأن قمة المعرفة الذوقية تقابل الثراء المعرفي والمادي. وسوف أقدم في مقالٍ لاحق إذا يسَّر الله تفاصيل تلازم المسارين المعرفي والمادي وخارطة الطريق للارتقاء في المسارين، وفي هذا سرٌّ لا يعرفه الكثيرون.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>للتدرب على اكتساب المالمعرفة والمال. الرابط التالي: https://bit.ly/3FPNRpS


الوعي/ الثقافة / الفكر/ المعرفة/ الثراء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


تأصيل جميل وننتظر التكميل