مدونة د. طه أحمد الزيدي


حكم الفحص الطبي قبل الزواج وعند انتشار الوباء

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


23/03/2020 القراءات: 594   الملف المرفق


لقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
الاول: لا يجوز لأية جهة إجبار الناس على إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، وليس لها حق الالزام بنتائجه ولو كانت سلبية ، ولكن لها التشجيع عليه، وهذا ما قرره المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي، ونصه: إنّ عقد النكاح من العقود التي تولى الشارع الحكيم وضع شروطها، ورتب عليها آثارها الشرعية، وفتح الباب للزيادة على ما جاء به الشرع كالإلزام بالفحوص الطبية قبل الزواج وربط توثق العقد بها أمر غير جائز،( وذلك في دورته السابعة عشرة التي عقدت في 19 شوال 1424هـ- 13/12/2003، ولما في ذلك من الحرج والمشقة والعسر والشريعة جاءت برفعهما، وتقييد للحرية الشخصية ، ولاسيما عند حصول رضا الطرفين
الثاني: يصح لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه باستحصال شهادة الفحص الطبي، ضمن وثائق اتمام عقد الزواج في المحاكم، تثبت انتفاء المحذور الطبي لهذه الزيجة، وهذا فيه مصلحة ، والقاعدة الشرعية تنص على أن تصرف الامام على الرعية منوط بالمصلحة، فله ان يشترط ما يحقق هذه المصلحة ، ومن الفقهاء من يرى جواز ذلك ومنهم من يرى وجوب الالزام بإجراء الفحوص الوراثية قبل الزواج ومنع اقتران من كان زواجهما سببا في الحصول على نسل مريض ، لوجوب طاعة ولي الأمر في المعروف، ولاسيما إن كان في التصرف مصلحة للرعية، ومعلوم أن الفحوص لمصلحة الفاحصين سعيا لنفعه وذريته ودفع الضر عنهما مستقبلا وليس هو اعتداء على حريتهما
ويظهر لنا أنّ الطرفين متفقان على مشروعية طلب الفحص الطبي ضمن إجراءات عقد النكاح في المحاكم، والخلاف في ايجاب إجرائه أو الالتزام بنتائجه، ولذلك ينبغي التفريق بين اجرائه والأخذ بنتائجه، ومن ثمرته تفصيل الحكم على وفق الآتي:
- إنّ الاصل في إجراء الفحص الطبي الاباحة، لتحقيق النفع من إجرائه والأخذ بالاحتياطات الطبية التي ترشد اليها نتائج الفحص الطبي.
- إذا اشترط الإمام الشرعي إجراء الفحص الطبي قبل الزواج وأنه إحدى وثائق اتمام العقد صح ذلك، ويجب اجراؤه احتياطا لوجوب طاعة الإمام في المعروف، ولثبوت المصلحة فيه من قبل أهل الاختصاص من الاطباء، في الحد الادنى من متطلبات الفحص الطبي لضمان سلامة الزوجين ونسلهما ، من غير توسع وتشديد في مفردات الفحص المطلوب تشخيصها ولاسيما مع عدم القدرة على الاحاطة بالأمراض ومسبباتها لكثرتها، ولكن يمكن مراعاة اضافة مفردة عند وجود مصلحة بسبب انتشار وباء أو ظهور أمراض بسبب التعارض الجيني للراغبين بالزواج، فيتم التشديد والالزام بإضافة مفردة محددة تتعلق بتحقيق هذه المصلحة، وهذه تتفاوت بتفاوت الامكنة والازمنة والأحوال البيئية.
- يندب الأخذ بنتائج الفحص الطبي، من غير إلزام بها، ولاسيما عند رضا الطرفين بتحملها ، ويترك حق إمضاء العقد او التراجع عنه للزوجين ، بعد بذل النصح لهما، وإنّ اي منع لإتمامه يعد من العضل المحرم شرعا، وإذا كان العضل يمنع في الولاية الخاصة (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 232)، فمن باب أولى منعه في الولاية العامة ، عملا بالقاعدة الفقهية : (الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة) (الاشباه والنظائر للسيوطي ص154، والاشباه والنظائر لابن نجيم ص 133، لهذا لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص وأهليته) .
- ولأنّ الشريعة جعلت الرضا بالعيوب المبيحة للفسخ مسقطا للحق في خيار الفسخ ، فمن باب أولى اتمامه بما سواها من العيوب والمخاوف عند رضا الطرفين، كما أن ضبط المصلحة في نتائجه متعذر؛ لاختلاف طبائع الازواج ورغائبهم وترتيب أولوياتهم في معايير الاختيار.
ومع الوجوب الاحتياطي في إجراء الفحص ينبغي مراعاة الآتي:
- إنّ عقد النكاح إن تمّ من غير فحص طبي فهو عقد صحيح؛ إذ لا يعد الفحص شرطا لصحته ولم يذكره فقهاء المذاهب في مدوناتهم الفقهية.
- ينبغي أن تقوم به جهة أمينة، تحفظ أسرار الناس ولا تبوح بها، وأن لا يتم تهويل نتائجها، إن كانت سلبية لدرجة تؤدي الى حصول قلق نفسي يدفع صاحبه الى العزوف عن الزواج مستقبلا، مع توضيح أن النتائج السلبية قد تتعلق بهذه الزيجة دون غيرها.
- مع انتشار الأوبئة وظهور أمراض معدية غير مألوفة سابقة، فإن الكشوفات الطبية والفحوصات الدورية تكون مطلوبة شرعا، ولا يبعد القول بوجوبها، سواء قبل الزواج أو بعده، ولاسيما لمن يشتبه بإصابته بها، فقد اصبحت من متطلبات المجتمع الصحي ، ولذا تحرص عليه المجتمعات الواعية ادراكا منها لأهمية الكشف المبكر عن وجود أمراض يسهل معالجتها في مراحلها الأولى أو فترة حضانتها في جسم الانسان، وذلك لا يتعارض مع الأحكام الشرعية بل يتوافق مع أمر الشريعة بالتداوي؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء) (أخرجه ابو داود، 4/3، والترمذي 4/383، وقال: حديث حسن صحيح) فهو من مقدماته، كما أنه لا يتنافى مع التوكل بل هو من مباشرة الأسباب التي وضعها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، ولا يتعدى كونه إجراء وقائيا وسلوكا احترازيا مسبقا عن الحالة الصحية للتأكد من سلامة الانسان والحياة الزوجية التي يقبل على تكوينها، وهذه الكشوفات والفحوصات لا تؤخر زواجًا ولا تعطل حياة، ولكنها تعطي نظرة مآلية وصورة مستقبلية جلية سواء للراغبين في الزواج عن صاحبه بالجنب وشريك حياته المقبل، أو للإنسان نفسه عن صحته وعافيته الشخصية، وهذا كله خير ويندرج تحت مقاصد التشريع في حفظ النفس والنسل وفي تحمل المسؤولية الاسرية. والله اعلم. التفاصيل في الملف المرفق


احكام كورونا- احكام الاوبئة- الفحص الطبي- حكم الفحوصات عند الوباء - كورونا والفحص الطبي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع