مدونة مسعد عامر سيدون المهري


قراءة في مقاصد الادب والبلاغة..

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


12/03/2022 القراءات: 887  


إنّ لكلِّ فنٍّ من الفنون مقاصد يُقصد إليها، ومرامي يتطلع إليها شداةُ ذلك العلم والفن. ونحن في هذه الأسطر نلقي الضوء على مقاصد الأدب، والموضوع على اتساع جوانبه، وتعدد أوجه القول فيه من قبل كتاب كبار، إلا أننا في هذه المقالة نروم التذكير بتلك المقاصد.
إن من المتعارف عليه في الوسط الأدبي منذ القدم أن الهدف الأساسي للشعر إنما هو بعث السرور في النفس، وهز القلوب طربا وبهجة، حيث أن العلماء فرقوا بينه وبين غيره من ضروب المعرفة، فابن رشيق في "نقده" يقرر أن الفلسفة وجر الأخبار باب غير الشعر.. غنما الشعر ما أطرب، وهز النفوس، وحرك الطباع.." ولكن حين نبحث فيما يدعو إلى هذا الطرب الذي يخلقه الشعر، هل هو في الألفاظ والإيقاع، أم في المعاني الشعرية والأخيلة والصور؟ في الواقع إن كل ذلك مطلوب في الشعر وتذوقه. وقد نظر النقاد منذ القدم نظرة واسعة إلى جالب السرور والطرب في الشعر، ,أضافوا إلى إثارة النفس سرورا، وهزها وتحريك طباعها، وقد يكون ذلك ألما أو ثورة أو ما أشبه ذلك؛ ليدخل شعر الرثاء وشعر الحث والتحريض، مثل قول شاعر:
تاخرت أستبقي الحياة فلم أجد. لنفسي حياة مثل أن أتقدما..
أو مثل قول الخنساء راثية:
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره بكل مغيب شمس
ولو كثرة الباكين حولي على موتاهم لقتلت نفسي.
أو البحتري حين رحل إلى إيوان كسرى وهو يمر بحالة نفسية مأزومة جرا الاعتداء السافر على الخلافة الاسلامية والتي انتهت مقتل المتوكل رحمه الله:-
حضرت رحلي الهموم فوجـهت إلى أبض المدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ وأسى لمقام من آلِ ساسان درسِ
ذكّرتنيهم الخطوب التوالي وقد تُذكر الخطوب وتنسي .. الأبيات
فكل هدف للأدب ينبغي أن يعتمد على أساس الإثارة وهز النفوس، وتحريك الطباع، يضاف إليها اٌلاقناع وإقامة الحجة، لا عن طريق البرهان الفلسفي والقياس المنطقي، بل عن طريق التلويح والإشارة والافهام في لطف.وذلك أن البيان كما يقول ابن المعتز ترجمان القلوب وصيقل العقول مجلي الشبهة، وموجب الحجة، والحاكم عند اختصام الظموم، والمفرق بين الشك واليقين..الخ"
والاقناع يعتمد على البلاغة حيث إن أصناف المعرفة تعتمد على العقل المجرد وتثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع، والبلاغة بوسائلها وأدواته تخدم هذه الحجج عبر التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز، أو من خلال مطابقة مقتضى الحال، بتنويعات بلاغية تلائم المقامات المتنوعة.
انظر إلى تعبير النابغة، حين أظلمت الدنيا في وجهه، وأراد أن يعفو عنه الملك، ولكنه قدم بين يدي اعتذاره هذا التشبيه الموحي المقنع، الذي يشير من خلاله إى جلالة الملك وعظم سلطانه، يقول النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وان خلت انّ المنتأى عنك واسع.
أو تصويره للوعيد بالسم الناقع.. وحالته بحال اللديغ الصريع، المتقلب على فراشه ألما..
فبتُّ كاني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقعُ
فالأدب يهدف إلى جانب الإمتاع إلى إقناع المخاطب لقبول الحجة، من هنا عد العلماء من فنون الأدب فن المناظرة والمجادلة.ففي تعريفات البلاغة التي يوردها الجاحظ عن الأمم السابقة؛ قال بعض أهل الهند: جماع البلاغة البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة.

ثم قال: ومن البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، أن تدع الافصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وربما كان الإضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك، وأحق بالظفر.
ولعل من أثر الهدف االاقناعي للأدب ما عرف في البلاغة من باب التوكيد، حيث يلقى الخبر في البدء مرسلا لا توكيد فيه، إذا لم تكن لدى المتلقي فكرة عن الموضوع الذي يلقى عليه، أو كان الحديث بيّن لا ترتاب فيه النفس كأن يكون حقيقة عامة، فإن شك المخاطب أّكّد له الكلام ببعض المؤكدات، أمّا إذا أنكر فليس أمام المتكلم إلا أن يكثر من المؤكدات حت تتضح الطريق، وتقوم الحجة عليه ولا يجد ملجأ للإنكار.
ومن اهداف الأدب بحسب ما تقرر عند النقاد أيضا التهذيب الخلقي، خصوصا الشعر الذي يحث على معالي الأمور، كالحماسة والنجدة والشجاعة والفخر بالكرم وغيرها من المعاني، وقط كان الخلفاء يحثون المؤدبين أن يرووا لأولادهم الشعر طلبا لنجدتهم. ويروون ذلك عن عمر بن الخطاب انه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن مُر من قبلك بتعلم الشعر؛ فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب. وقد عدوا من فنونه النصائح والوصايا، وهي أدب يقصد إلى تهذيب الأخلاق وتقويم الطباع.
والقرأن نفسه عده النقاد أروع الأمثلة للبيان العربي المعجز للبلاغة، والناظر في رسالة القرآن يجدها تقوم على النقويم الخلقي والدعوة إلى محاس الأخلاق. وهو في هذه الرسالة يلجأ إلى التأثير البلاغي.
ورأى النقاد كذلك أن الأدب يحمل تجارب الأولين، وعصارة أفكارهم وخبراتهم وهو بذلك يصلح أن يكون مصدرا من مصادر الثقافة وينبوعا من ينابيع المعرفة، ولعل أظهر مثال لهذا اللون من الأدب عندهم شعر لحكمة والأمثال، وقد عدوها من اجناس الأد[ لأنها تحمل ثقافات العقول، وتؤديها إلى النفوس في صورة تثيرها وتحركها.
ولعل مما يذكر في هذا المقام الإشارة إلى الوظيفة الاجتماعية للشعر، فالشاعر في الجاهلية كان مرعي الجانب يحظى بتقديم واهتمام على الخطيب وغيره لفرط حاجتهم إليه فهو وسيلة إعلامية تديع مناقبهم وفضائلهم وتهاجم خصوصمهم، ولكن حين انحرف الشاعر إلى التكسب كما يذكر الجاحظ، ضعفت مكانته وقويت مكانة الخطيب.
هذا غيض من فيض جلنا من خلاله في مقاصد الأدب والبلاغة بحسب ما تقرر في المدونة الأدبية والبلاغية، وللأدب مقاصد كثيرة لعلنا نقف على صور منها في مقام قريب، والله ولي التوفيق.




البلاغة ، الأدب، مقاصد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


شكرا على هذا المقال اللذيذ و الممتع