مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
السرايا بعد غزوة أحد✍️ إجلاء بني النضير
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
09/03/2023 القراءات: 395
✍️ إجلاء بني النضير
كان اليهود يتحرقون على الإسلام والمسلمين و كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يختارون أنواعاً من الحيل ؛ لإيقاع الإيذاء بالمسلمين رغم ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق، و بعد وقعة بني قينقاع وقتل كعب بن الأشرف خافوا على أنفسهم فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت.
ولكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين ،وصبر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم حتى ازدادوا جرأة بعد وقعة الرَّجِيع وبئر مَعُونة، وقاموا بمؤامرة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم
فقد ذهب صلى الله عليه وسلم إليهم في مجموعة من أصحابه، و طلب منهم أن يعينوه في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْرِي خطأ بعد وقعة بئر معونة ـ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا : نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك. فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلى رضي الله عنهم وطائفة من أصحابه.
وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسول لهم الشيطان فتآمروا على قتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : أيكم يأخذ هذه الصخرة ، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟... فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سَلاَّم بن مِشْكَم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه. ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم.
ونزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا : نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به اليهود.
وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى بني النضير يقول لهم : (اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً -أمهلتكم- فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه). ولم يجد اليهود مناصاً - مفرا - من الخروج، فأقاموا أياماً يتجهزون للرحيل، إلا أن رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا (في حصونكم )ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} [الحشر:11] وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان.
وهنا عادت لليهود ثقتهم، واستقر رأيهم على البقاء وعدم الخروج ، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب حيي بن أخطب كبر وكبر أصحابه، ثم نهض لمناجزة(مقاتلة) القوم، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلى بن أبي طالب رضي الله عنه يحمل اللواء، فلما انتهي إليهم فرض عليهم الحصار.
والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها وتحريقها ليكون ذلك ادعى لتسليمهم ، وفي ذلك أنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ} [الحشر: 5].
واعتزلتهم بني قريظة، وخانهم عبد الله بن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فلم يحاول أحد أن يسوق لهم خيراً، أو يدفع عنهم شراً، ولهذا شبه سبحانه وتعإلى قصتهم، وجعل مثلهم:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} [الحشر: 16]
ولم يطل الحصار ـ فقد دام ست ليال فقط، وقيل : خمس عشرة ليلة ـ حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فاندحروا (فانهزموا) وتهيأوا للاستسلام ولإلقاء السلاح، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن نخرج عن المدينة. فأنزلهم (من حصونهم) على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح.
فنزلوا على ذلك(وافقوا )، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ليحملوا الأبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف، ثم حملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فترحل أكثرهم وأكابرهم كحيي بن أخطب وسلاَّم بن أبي الحُقَيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجلان فقط : يامِينُ بن عمرو وأبو سعد بن وهب، فأحرزا(حفظا) أموالهما.
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولي على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعاً وثلاثمائة وأربعين سيفاً.
وكانت أموال بني النضير وأرضهم وديارهم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يضعها حيث يشاء، ولم يخَمِّسْها لأن الله أفاءها عليه (وهبها له من غير حرب )، ولم يوجِف المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكاب(بمعنى لم يقاتلوا ) ، فقسمها بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطي أبا دُجَانة وسهل بن حُنَيف الأنصاريين لفقرهما. وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح عدة في سبيل الله.
وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة 4 من الهجرة ، وأنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثني على المهاجرين والأنصار، وبين جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض، وأوصي المؤمنين بالتزام التقوي والاستعداد للآخرة، ثم ختمها بالثناء على نفسه وبيان أسمائه وصفاته ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول عن سورة الحشر : قل : سورة بني النضير .
السرايا بعد غزوة أحد✍️ إجلاء بني النضير
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع