مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


09/06/2023 القراءات: 449  


وخص الخير، وإن كان تعالى عالِمًا بالخير والشر، حثًّا على فعل الخير، ولأن ما سبق من ذكر فرض الحج، وهو خير، ولأن نستبدل بتلك المنهيات أضدادها، فنستبدل بالرفث الكلام الحسن والفعل الجميل، وبالفسوق الطاعة، والجدال الوفاق، ولأن يكثر رجاء وجه الله تعالى، ولأن يكون وعدًا بالثواب.



﴿ وَتَزَوَّدُواْ ﴾: التزود مستعارٌ للاستكثار من فعل الخير استعدادًا ليوم الجزاء، شُبِّه بإعداد المسافر الزاد لسفره بناءً على إطلاق اسم السفر والرحيل على الموت، ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ أمر بالتزود لسفر العبادة والمعاش، وزاده الطعام والشراب والمركب والمال، وبالتزود لسفر المعاد، وزاده تقوى الله تعالى، وهذا الزاد خير من الزاد الأول؛ لقوله: ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾، وذكر التزود من الأعمال الصالحة في الحج؛ لأنه أحقُّ شيءٍ بالاستكثار من أعمال البر فيه لمضاعفة الثواب عليه.



قال ابن عاشور: ويجوز أن يستعمل التزود مع ذلك في معناه الحقيقي على وجه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، فيكون أمرًا بإعداد الزاد لسفر الحج تعريضًا بقوم من أهل اليمن كانوا يجيئون إلى الحج دون أي زاد، ويقولون: نحن متوكلون على الله، فيكونون كلًّا على الناس بالإلحاف.



وكانوا يقولون: كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا؟! وكانوا يقدمون مكة بثيابهم التي قطعوا بها سفرهم بين اليمن ومكة فيطوفون بها، وكان بقية العرب يسمونهم الطلس؛ لأنهم يأتون طلسًا من الغبار.



﴿ وَاتَّقُونِ ﴾: هذا أمر بخوف الله تعالى، والتحذير من ارتكاب ما تحل به عقوبته، وهو بمنزلة التأكيد لقوله: ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.



﴿ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾: جمع لب وهو العقل، واللب من كل شيء: الخالص منه؛ تحريكًا لامتثال الأمر بالتقوى؛ لأنه لا يحذر العواقب، إلا مَن كان ذا لبٍّ، فهو الذي تقوم عليه حجة الله، وهو القابل للأمر والنهي، وإذا كان ذو اللب لا يتقي الله، فكأنه لا لب له.



ومن فوائد الآية: أنه كلما نقص الإنسان من تقوى الله، كان ذلك دليلًا على نقص عقله - عقل الرشد، بخلاف قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين)؛ فإن المراد بنقص العقل هنا عقل الإدراك، فإن مناط التكليف عقل الإدراك، ومناط المدح عقل الرشد، ولهذا نقول: إن هؤلاء الكفار الأذكياء الذين هم في التصرف من أحسن ما يكون؟ نقول: هم عقلاء عقول إدراك؛ لكنهم ليسوا عقلاء عقول رشد، ولهذا دائمًا ينعي الله عليهم عدم عقلهم، والمراد عقل الرشد الذي به يرشدون.


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع