مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الفرق بين (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾، وبين (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


09/04/2022 القراءات: 2584  


الفرق بين (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾، وبين (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾

القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، إنه كتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد، فما الفرق بين (لا) و (لن) في الآيتين التاليتين؟

قال الله عز وجل في حق اليهود :{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [البقرة:94-95].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [الجمعة:6-7].
فنفى الباري سبحانه وتعالى تمني اليهود الموت مرة بـ (لن)، ومرة بـ (لا)، فما وجه ذلك؟

ظاهر قوله تعالى في البقرة (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾، وقوله تعالى في الجمعة ﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ يدل على أن بين القولين فرقًا في اللفظ، لكن هل هناك فرق بينهما في المعنى أيضاً؟
للعلماء في تعليل ذلك قولان:

القول الأول : أنه لا فرق بين القولين إلا من حيث الإعراب، وأما من حيث المعنى فلا فرق بينهما.
وعلى هذا القول جمهور علماء النحو والتفسير، وذلك لأن (لن) هي أخت (لا) في نفي الأفعال المستقبلة عند الإطلاق، بدون دلالة على تأكيد أو تأبيد، فيستوي بذلك عندهم المنفي بهما.
قال أبو حيان في البحر المحيط : وهو الصحيح، وتابعه في ذلك الزركشي في البرهان.
وبناء على هذا يكون نفي تمني الموت من باب التفنن، كما صرح بذلك الألوسي في تفسيره.

والقول الثاني : أن (لن)، و(لا)، وإن كانتا أختين في نفي الأفعال المستقبلة، إلا أن في(لن) تأكيدًا وتشديدًا ليس في (لا)، فأتى نفي تمنيهم الموت مرة بلفظ التأكيد، ومرة بغير لفظه.
وإلى هذا القول ذهب الزمخشري، وتابعه الفخر الرازي، وعلل ذلك بأن اليهود ادّعوا في سورة البقرة أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، وادّعوا في سورة الجمعة أنهم أولياء لله من دون الناس، ودعواهم الأولى أعظم من دعواهم الثانية؛ لأن السعادة القصوى فوق مرتبة الولاية؛ إذ الثانية تراد لحصول الأولى.
ولما كانت (لن) أبلغ في النفي من (لا)، جعلها الله تعالى لنفي الأعظم؛ لأنها أقوى الألفاظ النافية، على حد قول الرازي .

ويتفق الرازي والزمخشري في أن كلاً من (لن)، و(لا)، لنفي المستقبل، وأن (لن) أشد تأكيدًا في نفيه من(لا)، أو أقوى وأبلغ ، لكن يختلفان في أن (لن) عند الرازي لتأبيد النفي في الدنيا، وعند الزمخشري لتأبيد النفي في الدنيا والآخرة.
وعليه فإن قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ عند الرازي يكون نفيًا لتمني اليهود الموت أبد الحياة الدنيا، وعلى هذا مذهب أهل السنة والجماعة.
أما عند الزمخشري فيكون نفيًا لتمني اليهود الموت أبد الحياة في الدنيا والآخرة، وعلى هذا مذهب المعتزلة .


لن و لا، الفرق، التأبيد، التوكيد، تشديد، لسان العرب، اليهود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع