مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


تأملات في فضاء فلسفة القانون

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


01/05/2024 القراءات: 1334  


بداية الفلسفة تعني لغة فسر الشيء وعرفه بعلله واسبابه اعتمادا على العقل وهوعلم يعني بدراسة المبادئ والعلل للأشياء وتفسير الاحداث والظواهر تفسيرا عقليا ويشمل المنطق والاخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة ولفظ فلسفة مشتق من اليونانية واصله مكون من شقين(philo) محبة(sophie)الحكمة ومعناه محبة الحكمة ويطلق على العلم بحقائق الاشياء وقد شاع استعمال المصطلح في القرن السابع قبل الميلاد وكانت تعني الرغبة في التأمل للوصول الى الحكمة ورغم ذلك لم يتفق المفكرون حول تعريف الفلسفة فقدعرفها ارسطو بانها"علم الوجود بما هو موجود"وعرفها ابن سينا بانها"الوقوف على حقائق الاشياء"
ولقد كانت الفلسفة عند القدماء مشتملة على جميع العلوم فهي قسمان نظري وعملي اما النظري فينقسم الى العلم الإلهي وهو العلم الاعلى والعلم الرياضي وهوالعلم الاوسط والعلم الطبيعي وهوالعلم الاسفل في حين ان العملي ينقسم الى ثلاثة اقسام ايضا وهي سياسة الرجل نفسه ويسمى بعلم الاخلاق وسياسة الرجل اهله ويسمى بتدبير المنزل وسياسة المدينة والامة واذا اضيف لفظ الفلسفة الى الموضوع دل على الدراسة النقدية لمبادئ هذا الموضوع واصوله فنقول فلسفة العلوم اي الدراسة النقدية لمبادئ العلوم واصولها العامة وهي الابستمولوجيا اي نظرية العلم اونظرية المعرفة العلمية اي دراسة العلوم نقديا
اما في العصورالحديثة فلفظ الفلسفة يطلق على دراسة المبادئ الاولى التي تفسرالمعرفة تفسيرا عقليا كفلسفة العلوم والاخلاق والحقوق الخ وقد استخدمت عبارة فلسفة القانون مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشرخاصة بعد صدور كتاب هيغل مبادئ فلسفة القانون سنة1821وقد ارتبطت بالفلسفة العامة عكس البحث في القانون فهو قديم قدم القانون نفسه ولايوجد اتفاق حول تحديد المقصود منها ومواضيعها وحول ما اذا كانت جزء من الفلسفة او جزء من العلم القانوني
ولاشك ان الخوض في فضاء فلسفة القانون سيلهم المهتم بالدراسات القانونية ويجعله اكثرالماما وانفتاحا وفهما للأفكار باعتباره يحدد مفهوم القانون واهم الاتجاهات الفقهية في ذلك مع تحديد الغاية من وضع القانون ومقاصده المباشرة وغيرالمباشرة وهذه الفكرة بلاشك عرفت تطورا تاريخيا ملحوظا في حين ان جوهر القانون او المصدر المادي له قد ظهرت في تحديده عدة اتجاهات فقهية مازالت آثار الاخذ بها في التشريعات الحالية وكل تلك المفاهيم والافكار تسهل عملية تفسير القانون كلما كانت ضرورة لذلك
وبطبيعة الحال فقد كان ولازال الانسان وعلى الدوام محور الفكر الفلسفي والاصلاحي والتنظيمي فهو في علاقة دائمة مع افراد مجتمعه علاقة اقتصادية عائلية سياسية اجتماعية قانونية وغالبا ما تكون متعارضة مما يتطلب معه التدخل لتنظيم تلك العلاقات منعا للفوضى وحرصا على استمرارالمجتمع واستقراره وهوالذي تقوم به الدولة وهو مرتبط دائما بالجماعة السياسية التي تحقق احتياجاته ومثل هذا الترابط بينهما يستدعي وجود تنظيم يوفر الاستقرار والامان داخل تلك الجماعة وهومطلب سعت الدولة لتحقيقه منذ القدم
ولقد كان للفلاسفة عموما سواء الاغريق ام الرومان ام المسلمين ام في العصر الحديث الدور الفعال في ترشيد العقل لتنظيم شؤون حياة الافراد وعلاقاتهم مع الحاكم بواسطة قوانين تسعى لتحقيق التوازن والعدالة لذلك فان القانون كان ولازال محور اهتمام الفلاسفة فاهتموا بدراسة أصله ونشأته وتطوره وغاياته واسبابه عبر مر الازمان والعصور وعدت فلسفة القانون تلك المادة العلمية التي تختص بدراسة موقف الفلسفة من الظواهر القانونية من حيث مفهوم القانون وتحليل الفكر القانوني ومناهج البحث القانوني فهي تقوم على تحكيم العقل في دراسة القانون او سلطة العقل لإرساء آليات مجتمع بشري عادي يسمح بالتعايش السلمي وفلسفة القانون هي نوع من الفلسفة العملية العلمية او فلسفة السلوك الذي يشمل فلسفة الاخلاق والقانون حيث ارتبطت فلسفة القانون في نشأتها مع فلسفة الاخلاق الا ان فلسفة القانون ودراستها هي المرآة الحقيقة التي تعكس وتفسر النظم القانونية وتحولاتها
ناهيك عن ان الاسلام يعد حقيقة حدا فاصلا بين عهدين مختلفين عهد الفطرة الذي يمتاز بعدم وجود قانون شامل وعهد النظام الذي يخضع فيه الجميع الى شريعة عامة واحدة فالقانون اصبح فكرة دينية مصدرها الوحي الإلهي القرآن والسنة وتعد الدولة والفرد وسيلتان لتطبيقه لتصبح العدالة المنشودة هي العدالة الإلهية المتجسدة في النص الإلهي المتمثل في القانون لذا اهتم المفكرون المسلمون بدراسة فلسفة القانون منهم الفارابي وابن خلدون الا ان فلسفة القانون عرفت تطورا وتحولا اخرا وذلك بظهور ما يعرف بالغائية القانونية نتيجة لتبلور وتطور نظرية المنهج القانوني فما يميزالعصر الحديث الابتعاد عن الشكلية والاتجاه نحو تفسيرالقانون بالنظر الى هدفه وغايته لان القانون وسيلة للوصول الى غاية معينة فالقانون اذن علم غائي بمثابة هندسة اجتماعية للعلاقات داخل المجتمع موضوعه افعال الانسان وتصرفاته غايته العامة ايجاد تنظيم لمختلف العلاقات القانونية بصفة دائمة ومستمرة بحفظ النظام وتحقيق العدل الاجتماعي والتقدم الانساني في اطار احترام حقوق الانسان والحق في المساواة وصولا للعدالة الانتقالية لذا يعد علم الاجتماع القانوني اوثق الصلة بفلسفة القانون لبحثهما عن القانون الاكثر قبولا في المجتمع وهوعلم يتصل بالاجتماع والقانون ويربط بين الظواهر الاجتماعية والسلوك القانوني ويبحث في اسباب ونتائج تطورهما
ويتضح لنا من هذه التأملات ان روح الفلسفة تظهرفي القوانين قصد تحقيق العدالة والمساواة والمواطنة الحقة ويكون ذلك بجعل النصوص القانونية تساير التحولات والتطورات المتسارعة التي يعرفها العصرالحالي خاصة في الجانب التكنولوجي الذي جعل القوانين بحاجة اكثر للتعديل والتطوير والمراجعة المستمرة اكثر من اي وقت اخر والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات


( تأملات فضاء فلسفة القانون)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع