مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي
امير اهل الحديث في الاسلام
د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a
02/08/2023 القراءات: 1740
قال تعالى(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)العنكبوت/69حقيقة لم يشهد تاريخ الإسلام احد مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء لأنه فتح عينيه على الحياة فوجد العلم يحيط به من كل جانب وشاهد منذ طفولته حلقات الحديث والفقه والتفسير تموج بطالبي العلم حول شيخ أو معلم زاده العلم بهاءً ووقارًا فأحب أن يكون مثل هؤلاء وتطلعت نفسه إلى تحقيق ذلك فكان له ما أراد فملأ الدنيا علمًا ورددت الألسنة ذكره إعجابًا وإجلالاً انه الإمام الجليل والمحدث العظيم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري امير المؤمنين في الحديث
ولد أبو عبد الله بمدينة بخارى التي تقع في جمهورية أوزبكستان في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة194هـ ويروى أنه عمي في صغره فرأت والدته في المنام نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها ان الله رد على ابنك بصره لكثرة دعائك وبكائك فأصبحت وقد رد الله عليه بصره وكان والده عالم كبير يحفظ آلاف الأحاديث النبوية ورحل في طلب العلم إلى المدينة المنورة وتتلمذ على أيدي كبار العلماء والمحدثين أمثال:مالك بن أنس وحماد بن زيد وغيرهما وكان رجلا غنيًّا أنعم الله عليه بثروة كبيرة كان ينفقها في الخيرات على الفقراء والمساكين توفي والد البخاري وتركه طفلاً مع والدته بعد أن ترك له مالا كثيرًا وعلمًا نافعًا وظلت أمه تعطف عليه وتحيطه بحنانها ورعايتها لتعوضه عن فقد أبيه وما إن بلغ البخاري سن العاشرة حتى ظهرت عليه علامات الذكاء والتفوق فحفظ القرآن الكريم وكثيرًا من الأحاديث النبوية وتردد على حلقات علماء الحديث في بلده ليتعلم على أيديهم وعمره إحدى عشرة سنة وكان مع صغر سنه يصحح لأساتذته وشيوخه ما قد يخطئون فيه وقد ساعد البخاري على ذلك حفظه الجيد للأحاديث وذاكرته القوية والكتب الكثيرة التي تركها له والده فحفظها ودرسها دراسة جيدة
رحل البخاري بين عدة بلدان طلبا للحديث ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها فقد انتقل مع والدته وأخيه الأكبر أحمد إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج وعمره ستة عشر عامًا ولما أدى الفريضة استقر هناك يتعلم الحديث على أيدي علماء مكة وشيوخها ثم رحل إلى المدينة المنورة فزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وظل في المدينة المنورة سنة ثم رحل إلى البصرة ليسمع الحديث ومكث بها خمس سنوات كان يتردد فيها على مكة المكرمة في مواسم الحج ليلتقي فيها بعلماء المسلمين وظل البخاري ينتقل في بلاد الإسلام لطلب العلم
وفي واقع الامر فقد أدهش البخاري العلماءَ والشيوخَ لسرعة حفظه للأحاديث حتى ظنوه يشرب دواءً للحفظ فقد كان ينظر إلى الكتاب مرةً واحدة فيحفظ ما فيه من أحاديث لا يستطيع غيره أن يحفظها في شهور عديدة كما كان كثير العبادة لله يجتمع مع أصحابه في أول شهر رمضان فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية ويظل هكذا إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويقول:عند كل ختمة دعوة مستجابة وكذلك كان ينفق من أمواله الكثيرة التي ورثها عن أبيه على الفقراء من المسلمين كما تعلم ايضا رمي السهام ولم يشغله طلب العلم عن ذلك بل إنه كان يرى ذلك واجبًا على كل مسلم حتى يستطيع الدفاع عن ديار المسلمين
علاوة على ذلك فقد ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية واجتهاد ما له من نظير وعمل دؤوب وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم وبدأ التأليف وعمره 18 سنة فقد كتب الكثير من الكتب النافعة من أشهرها:كتابه الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري الذي كان يغتسل ويصلى ركعتين لله قبل أن يكتب أي حديث فيه وقد كتبه في ست عشرة سنة ويعد أصح كتب الحديث على الإطلاق وألف أيضًا التاريخ الكبير في تراجم رجال الحديث والأدب المفرد ويقول ايضا:صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله وعد العلماء كتابه هذا أصح كتاب بعد كتاب الله وهو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم
ناهيك عن ذلك فقد عمل البخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لايغش مهما كانت المغريات الا انه تعرض للامتحان والابتلاء وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله فلقد حسد البعض البخاري لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن فأجابهم:انه كلام الله ليس بمخلوق ومن قال مخلوق فقد كفر لقوله تعالى(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)العنكبوت/49
اما محنته مع أمير بخارى انه لما عاد الى بلدته بخارى استقبله أهلها أروع استقبال فعقد جلسات للعلم في مسجده ومنزله ليورث علمه للمسلمين ولم يبخل بعلمه على أحد غير أن أمير بخارى خالد بن أحمد طلب منه أن يأتيه بكتبه حتى يسمعها له ولأولاده في قصره وحدهم فرفض البخاري أن يستجيب لطلبه وقال:من أراد أن يتعلم فليأت إلى مجلس العلم فالعلم يؤتى له ولا يأتي وقال لرسول الأمير قل له:إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين فإن كان له إليَّ شيء منه حاجة فليحضر في مسجدي أو في داري وكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج وتوفي البخاري ليلة عيد الفطر سنة256هـ وقد بلغ اثنتين وستين سنة بعد أن ملأ الدنيا بعلمه وأضاءها بإخلاصه رحمه الله جزاء مابذل وقدم رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين
(امير اهل الحديث البخاري)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع