مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


18/04/2023 القراءات: 447  


لقد وضعت خديجة الوليدة الجديدة الرابعة فاطمة الزهراء. لقد وُلدت (رضي الله عنها) عنها في اليوم الذي أنقذ الله فيه قريشاً على يد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من فتنة عمياء، وصان عليها الدماء، وجاءت الزهراء مع البشرى.
فجر الإسلام
وأخذت خديجة (رضي الله عنها) تلاحظ سمات جديدة تعلو وجه النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وصمتاً طويلاً عميقاً يلازمه، وتأملاً شديداً يسرح به، وهو مع هذا كله يزداد تألقاً وصفاءً، ويشع نوراً وبهاءً. فأحست بقرارة نفسها وصدق حدسها أن الأمر جلل..! فقامت خير قيام بما يمليه عليها وفاؤها لزوجها فوفرت له كل أسباب الصفاء والسكينة، وما عكرت عليه أبداً خلوته وتأملاته. وتتابعت الرؤى يردف بعضها بعضاً… فأخذ يحدثها بكل ما يراه ويعتريه، فتستمع له بنفس مبتهجة وصدر منشرح، ثم تثبته على ما هو فيه، وتبعث في ذاته الشريفة العزم والتصميم.
في غار حراء
وعندما أهل هلال رمضان من ذلك العام، كان انصراف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلواته وتأملاته أشد من ذي قبل وأبلغ…، وقامت خديجة بتهيئة زاده، وتوفير جو الخلوة في غار حراء، في سكينة واستقرار. وأرجف الناس بأن محمداً قد عشق ربه..! فما زادته أقاويلهم إلا رغبة عنهم، وبعداً عن مجتمعهم وأنديتهم… كما رأى كثير من القوم بعض الخوارق والمعجزات فكانت مثار تكهناتهم ومدعاة ظنونهم، وافتراءاتهم… وكان عليه الصلاة والسلام حين يمضي إلى غار حراء لما حُبب إليه الخلاء تودعه خديجة خاشعة النفس والهة القلب آملة راجية ضارعة إلى الله تعالى أن يكلأه ويرعاه، ويحقق آماله وتطلعاته.
ليلة القدر
وفي يوم خالد على الدهر، وفي ليلة مباركة وهي ليلة القدر، هبط جبريل عليه السلام بالأمر إلى الرسول الأمين، قائلاً له: اقرأ… فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أنا بقارئ! فأخذه جبريل وغطه حتى أجهده، ثم أرسله وقال له: اقرأ. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أنا بقارئ! فأخذه وغطه ثانية وثالثة، ثم قال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق 1-5].بعد هذه الحادثة…، عاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصدر الحنون، والقلب الكبير، والنفس المواسية، عاد إلى خديجة راجفاً قلبه، يحدثها بما رأى وسمع، وهو يقول: «زملوني… زملوني…» فانصاعت (رضي الله عنها) لطلبه، وزملته في دثاره وهي تقول أبشر يا ابن العم واثبت، فقد أريد بك الخير العظيم، وإنك والله لأهل لكل خير، والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف وتعين على النوائب. وما زالت به حتى طعم وشرب وضحك، وذهب عنه روعه.
ثم إنها رضي الله عنها قصدت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فحدثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحديثه وشأنه، وما أن فرغ حتى هتف ورقة: قدوس…، قدوس…، والذي نفس ورقة بيده لقد جاءك الناموس الأعظم الذي كان يأتي موسى…، وليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أوَمخرجي هم؟
فأجاب ورقة: نعم…، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً.
أول الناس إسلاماً
أسلمت خديجة وآمنت. ولم تقف في إيمانها عند حد معين، بل انطلقت في سبيل الله مثبتةً رسوله، داعيةً لدينه، باذلةً الغالي والنفيس لأجله.
ثم تتابع الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره أن يقوم فينذر عشيرته الأقربين (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء 214]. فترك فراشه ودثاره، وأمنه وراحته، وقال لخديجة: «لقد انقضى زمن النوم والراحة يا خديجة».
السابقون السابقون
ثم تتابع دخول المؤمنين في موكب الإيمان، وأخذت المسيرة طريقها إلى الله تعالى، فأسلم على التتابع الفتى علي بن أبي طالب والمولى زيد بن حارثة والصديق أبو بكر وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنهم أجمعين).
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
ومكث عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله سراً ثلاثة أعوام، حتى أمره الله سبحانه وتعالى أن يجهر بالدعوة، إذ أوحي إليه قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر 94] وفي هذه الرحلة بدأ الصراع العنيف الحاد من قبل قريش لدعوة الحق وأخذ صناديدها يناصبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العداء، ويفتنون أصحابه، فلم يضعف ولم يهن ولم تلن له قناة. وأمعن أبو لهب في إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر ولديه عتبة وعتيبة أن يطلقا ابنتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقية وأم كلثوم نكايةً وتشفياً…! لكن رحمة الله أعظم وأوسع… وأقرب من المحسنين، فلم يترك الأمر يبلغ مداه وغايته، إذ جاء عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وهو أكثر شباب قريش مالاً، وأكرمهم نسباً، يخطب رقية إلى نفسه، فكان العزاء الكبير لقلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولزوجته خديجة (رضي الله عنها) ولرقية نفسها.
الصابرة في البأساء والضراء
وامتدت يد قريش إلى تجارة خديجة تنال منها، فتصادر الأموال، وتقطع السبل، وتحرض الأتباع، فكانت (رضي الله عنها) تتقبل كل ذلك بصبر وجلد، راضيةً مرضية. وكثيراً ما كان يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منزله معفر الجبين، وقد أصابه سفهاء القوم بالأذى… فتتلقاه خديجة بحنانها وحبها، فتمسح جراحه الزكية، وتغسل وجهه الشريف، بيد حانية رقيقة…، ولا تزال تواسيه بالكلمة الطيبة حتى يبتسم ويتناول طعامه.
الجزاء الأوفى
ويهبط من الملأ الأعلى جبريل عليه السلام حاملاً البشرى إلى المؤمنة الصابرة والمسلمة المجاهدة، والزوجة الوفية، فيخبرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك قائلاً: «لقد أمرني جبريل عليه السلام أن أقرئك السلام، والله تعالى يبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب». وحين أذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة فراراً من أذى قريش وظلمها،


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(2)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع