مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


سُنَّة تحسين الحسَن، أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


07/08/2024 القراءات: 149  


سُنَّة تحسين الحسَن
كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (يُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ) [رواه البيهقي في شعب الإيمان].
كل شيء جميل يحسنه ويقويه في أي أمة من الأمم، مثل حلف الفضول، قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: (شَهِدت حلف المطَيَّبين مع عُمُومَتي وأنا غلام؛ فما أحبُّ أنَّ لي حُمْر النَّعم وأنِّي أنكُثه) [رواه أحمد].
وحلف المطَيَّبين هو المعروف بحلف الفضول، حيث تعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكَّة مَظْلومًا من أهلها وغيرهم إلا قاموا معه، وكانوا على مَن ظَلَمه حتى تُرَدَّ عليه مَظْلمته، ووَضَعوا أيديَهُم في قَصْعَةٍ ممْلوءةٍ بالطِّيبِ والعِطْرِ، ولذلك سُمِّيَ حِلْفَ المطيِّبينَ.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) [رواه البخاري].
وهكذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أيد الفعل الحسن وقواه في كثير من المواطن.
وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال صلَّيتُ خلفَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فعطَستُ فقلتُ الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكا عليهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى فلمَّا صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ انصرفَ فقالَ منَ المتَكلِّمُ قالَ رفاعةُ أنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ: (والَّذي نفسي بيدِه لقد ابتدرَها بِضعةٌ وثلاثونَ ملَكا أيُّهم يصعدُ بِها) [رواه الترمذي].
أي: يتَسارَعون فيها، كلُّهم يُريدُ أن يَصعَدَ بها إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وذلك دَليلٌ على كَثرةِ ثَوابِها وعَظيمِ فَضلِها، والبِضْعُ: مِن ثلاثةٍ إلى تِسعةٍ.
وهكذا كان صلوات الله عليه يعتني بالتحفيز والتشجيع، وإذا رأَى صَوابًا مدَحَه وأثْنَى عليه وشكَرَ له.
فعن خلاد بن السائب، قال: دخلتُ على أسامة بن زيد، فمدحني في وجهي، فقال: إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم يقول: (إذا مُدِحَ المؤمنُ في وجهِه ، رَبَا الإيمانُ في قلبِهِ) [أخرجه الحاكم والطبراني في الكبير].
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على كثير من الصحابة، وكنى كثيراً منهم، فهذا أبو بكر الصديق، وهذا الفاروق عمر، وهذا عثمان تستحي منه ملائكة الرحمن، وهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة.
وقد قدم لبعض الصحابة مكافاة عينية وحسية، فأعطى بعضهم رداءه، وأعطى آخر سواكاً، وأعطى رجلاً غنمًا بين جبلين.
فعلينا أن نطبق هذه السنة في البيوت، وفي العمل، في المدرسة، والجامعة، الهدايا للتحفيز والتشجيع، والتكنية بالألقاب الحسنة والجميلة، ولوحات الشرف التي توضع فيها أحسن موظف، وأفضل طالب، كل هذا من صميم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بالمهارات والقدرات، فلما شرع الأذان في رؤيا عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه، قال له النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( فقُمْ مع بلالٍ، فألْقِ عليه ما رأيتَ فليؤذِّن به؛ فإنَّه أنْدَى صوتًا منك) [رواه أبو داود]. أي أحسنُ وأعذبُ منك صوتاً، وذلك ليكونَ أرقَّ لسامِعيه، وأبعثُ على الإجابةِ.
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَعْد بن أبي وقاص: (ارْمِ فِداك أبي وأمِّي) [رواه البخاري]. ودعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (اللَّهمَّ سَدِّد رَمْيتَه، وأجِبْ دعوتَه) [رواه الحاكم]، فكان مُجابَ الدَّعوةِ.
وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على فتح باب الإبداع والابتكار والتطور مالم تخالف تعاليم الإسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على جذع نخلة، فلما كثر الناس اقترح عليه رجل كان ورد المدينة أن يصنع له منبراً، فوافق النبي مباشرة واستخدمه.
لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم، قيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابًا عليه ختم، فاصطنع خاتمًا من فضة، وفصه كذلك، ونُقش عليه من أسفل إلى أعلى: محمد رسول الله؛ لكي لا يكون اسم الرسول فوق لفظ الجلالة.
ورفع النبي صلى الله عليه وسلم مستوى الطموح إلى أعلى المستويات، فألقى نظر الصحابة إلى العالم كله بأن يوصلوا الدعوة إلى كل مكان، يوم كان الصحابة يحفرون الخندق قالوا: عَرَضَتْ لنا في بعضِ الخَنْدَقِ صخرةٌ حالَتْ بينَنا وبينَ الحَفْرِ لِصَلابتِها وعِظَمِها، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وأخَذ المِعْوَل، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال : اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، ثم ضرب الثالثةَ وقال : بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ) [رواه النسائي].
وقال لسراقة بن مالك: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟!
هذه السنة النبوية (تحسين الحسن وتقويته) تعطينا طاقة جبارة كي نبدع ونحفز ونشجع ونبتكر ونخترع في جميع مناحي الحياة.


سُنَّة، تحسين الحسَن، القبيح، مفاتيح اليمن، مفاتيح فارس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع