مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


الجدار الخامس والمحك الفاصل

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


17/10/2022 القراءات: 593  



إذا كان المعرفة هي رهان الوجود الحضاري فإن استخدام الوسائل التعليمية هو رهان المعرفة؛ لأنها الأداة الأساسية في اكتساب المعرفة، وتحصيل العلم، استمالة القلوب، وإثارة العقول.
إن وسائل الإيضاح أقوى من السحر وأبلغ من المنطق، فكم وكم انصرفت الجماهير عن من يملك الحجة إلى من يملك وسيلة التأثير، ولا أوضح في هذا السياق من قوم موسى الذين لم تقنعهم عصا موسى ولا قوة حجة هارون، بقدر ما سحرتهم وسائل فرعون في استمالتهم، "فاستخف قومه فأطاعوه.. ".
والوسائل التعليمية المعنية هنا ليست المجسمات والصور المادية فقط، فاللغة الميسرة بمختلف أساليبها من تعجب واستفهام ونفي وتأكيد ونداء وتحذير وإغراء وعطف والتفات وتشبيه وشعر ونثر وقصة ومثل وفواصل ونقاط وفقرات، أو بعبارة أدق علامات الترقيم، يعتبر إتقانها من أرقى أنواع الاتصال، إضافة إلى الصوت بمقاماته المختلفة، رفعا وخفضا وإشارة وعبارة، فضلا عن وسائل وطرق العرض مثل القصة، والمثال، والترغيب والترهيب، والموعظة، والقدوة.
كانت هذه الحقيقة واضحة وراسخة، على طريق الرسالة الطويل، ابتداء من خطواتها الأولى، فالله سبحانه وتعالى أول ما خلق خلق القلم.. فخلق القلم، وهو الوسيلة الأولى والأهم في العملية التعليمية، قبل أن يخلق الإنسان والكون، محل القلم ومجاله، ولذلك عظيم الأثر على ضرورة الإعداد الجيد للوسيلة التعليمية قبل عرض المادة العلمية.. وفي السياق ذاته نتذكر أن أول ما بدأ به الكتاب الخالد: "إقرأ" فهي أهم وسيلة تعليمية، كما لا يجـوز أن يغيب أيضا عن خاطرنا أن حركة الحياة لأبي الخلق آدم عليه السلام بدأت بتعلم الأسماء، التي تعتبر المفاتيح الأولى للمعرفة والعلم، والتي لا تستقيم الحياة ولا يمكن تسخيرها وقراءتها بأبجدية سليمة بدونها، إضافة إلى الأهلية المركوزة في الخلق للتعلم والترقي.
وقد أفاض القرآن الكريم والسنة النبوية وأجادا في استخدام الوسائل التعليمية بمختلف صورها وأشكالها، المادية، واللغوية، والحسية، واستفزا الحواس جميعها للنظر والتأمل والسمع والوعي، واعتبرا تعطيلها وعدم تشغيلها نوعا من الارتكاس في البهيمية، إذ هي الفارق بين الإنسانية والبهيمية، وطلبا إلى الإنسان النظر في الكون ومتابعة الرحلة العلمية لكشف كل مكوناته، من أجل مهمة التكليف التي تقتضى إعمار الكون بإدارته وتسخيره وإصلاحه مما قد ينتابه من انحراف الإنسان، وجعل عالم الشهادة أو العالم الفيزيائي مجالا رحبا لعمل الحواس، وجعل معرفة الوحي سبيلا للتعرف على عالم الغيب الميتافيزيائي.
وتبدو دقة وجودة استخدام الوسائل التعليمية في القرآن والسنة، أن القاريء يقرأ على عالم الغيب الذي ما اطلع عليه بشر وحواسه تعايش هذا العالم وتتفاعل معه سرورا وغبورا، وكذلك في روايتهما لعالم الشهادة الماضي أو المستقبل من قوة استخدام الوسائل التعليمية في عرضه بالأساليب التربوية المتنوعة يرتبط في وجدان القاريء وكأنه عاش أحداثه وتأثر بنتائجه.
ولا يتسع المجال هنا للتدليل والإتيان بالشواهد القرآنية على أساليب وأدوات الوحي المعلم واستقصائها، ولعل ما سبق في الوفاية والكفاية.
وتأسيسا على ذلك لا يمكننا أن نتخيل معلم أو داعية أو إعلامي بدون وسائل تعليمية، لاسيما وأن طبيعة الإنسان وما أودعه الله فيه من أسرار وخبايا نفسية وذهنية وبدية وروحية تحجب عنه القدرة على الاستيعاب بدون تنوع في وسائل العرض والتوضيح، وهذا ما يفرق بين داعية وداعية، ومعلم ومعلم، وإعلامي وإعلامي، فكم من عالم لا يستطيع توصيل علمه للآخرين!
ولذلك قال القائل:
معلم لم يستعن بوسيلة *** كمقاتل يغزو بغير سلاح
ومن العبارات البارزة والصادمة في هذا الصدد، ما كتبه د. كنيث أبل في كتاب ( التعليم والتعلم):
( إن المعلم بدون وسيلة تعليمية هو الجدار الخامس ...)
فقد كانت وستظل الوسائل التعليمية المعيار الدقيق على جودة الأداء والمحك الفاصل بين من يصلح ومن لا يصلح للتواصل مع الجماهير.
وتبقى الوسائل هي أكبر مجال مفتوح لإبداع من يخاطب الجماهير عموما والمعلم في تدريسه خصوصا ... فهي فنّ و إبداع و تجسيد للخبرة و الاحتراف في مهنة التدريس.
#الغنيمي
#رؤية_لإصلاح_التعليم
#رؤية_للنهوض_الحضاري


تربية، وسائل تعليمية، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع