مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
رعاية الشيخوخة في الإسلام (1)
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
07/02/2025 القراءات: 9
رعاية الشيخوخة في الإسلام
كلنا نعلم أن الإنسان يتقلب في حياته بمراحل ثلاث:
مَرْحَلَة الطفولة: وهي مرحلة ضعْـفِ، يحتاج فيها إلى رعاية وعناية من يقوم بشؤونه حتى يشب ويكبر.
ومرحلة الشباب: وهي مَرْحَلَةُ قُوَّة وَنشَاط وَهمـة وفتوة، وعَمَل وإنتاج، يرعى شأنه بنفسه ويقوم بأمره.
ثم مرحلة الشَّيْخُوخَةِ: وهي مرحلة ضعف ثانية، يشيب فيها شعره، ويكبر فيها عمره، ويضعف بدنه، ويقل سمعه وبصره، وتتثاقل حركته، حَتَّى يَعُودَ مُحْـتَاجًا مَرَّةً أُخْرَى إِلَى المُسَاعَدَةِ وَالعَوْنِ، وَالعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ، مصداقاً لقوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54].
ولقد اعتنى الشعر العربي بكبار السن وأحس بشعورهم، ولعل أشهر بيت شعر يصف هذا الشعور هو قول لبيد بن ربيعة الذي عاش مائة وعشرين سنة:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت وحدي كالبعير الأجرب
ويقول الآخر واصًفا هذه المرحلة وقد عاش مائة وأربعين سنة:
ما رغبتي في آخر العيش بعدما
أكون رقيب البيت لا أتغيبُ
إذا ما أردتُ أن أقوم لحاجة
يقول رقيب حافظ: أين تذهبُ
فيرجعه المرمى به عن سبيله
كما رد أفراخ الطائر المتربّبُ
وقد أورد أبو حاتم في كتابه (المُعمّرون) كثيراً من الشعر الذي يصف شعور المسنين مما يعكس عمومية هذه الصفة عند كثير منهم.
والمسن يزداد ملله في هذه المرحلة بسبب الضعف الحاصل له الذي أصبح يعيقه عن ممارسة أنشطته اليومية حتى البسيطة منها كالمشي للمساجد مثلاً، بل قد يتعدى إلى الشعور بآلام كثيرة بسبب أمراض هذه المرحلة مما قد لا يجدي معه علاج؛ فيشعر أن مقبل الأيام ليس بأحسن من ماضيها، وقديمًا قال زهير بن أبي سلمى في معلقته:
سئمت تكاليف الحياة ومن
يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
وعبر الشاعر العربي عن الشيخوخة بقوله:
ذهب الشباب فما له من عودة
وأتى المشيب فأين منه المهربُ
وقال شاعر آخر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيبُ
ومن تفسير النذير بالشيب باعتباره مقدمة الشيخوخة، وقد تمثل هذا المعنى الشعراء كما في قول أحدهم:
وقائلة خضب فالغواني
نوافر عن ملاحظة القتير
فقلت لها المشيب نذير عمري
ولست مسودًا وجه النذير
وهناك ألفاظ استخدمها القرآن الكريم وتدل على الشيخوخة منها:
الْكِبَرُ: لقوله تعالى: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} [البقرة: 266].
والعَجُوز: لقوله تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات: 29].
وأَرْذَلُ الْعُمُرِ: لقوله تعالى: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل:70].
ومُّعَمَّرٍ: لقوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر:11].
والشَّيْبَةُ: لقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم:54].
وأما الشيـخ فهو الذي من استبانت فيه السن، وظهر عليه الشيب، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر:67].
وقالت زوج إبراهيم عليه السلام: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود:72]، وقال إخوة يوسف: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:87].
ولقد وردت كلمة (الشيخ) في القرآن الكريم أربع مرات، وهي في المواضع الأربعة أتت على المعنى اللغوي حيث دلت على كبر السن، والأصح أن كلمة (الشيخ) عند التفصيل خاصة بالرجل، أما المرأة فيطلق عليها (عجوز) كما في قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 72].
والشيخ هو مَن جاوز الأربعين إلى الثمانين، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر:67]: الشيخ من جاوز الأربعين.
وقد أورد الطبري في تفسيره قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نُودِيَ أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ؟ وَهُوَ الْعُمْرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
وفي الحديث الشريف: (أعمارُ أمَّتي ما بينَ الستينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم مَنْ يجوزُ ذلِكَ) [رواه الترمذي].
رعاية الشيخوخة، الإسلام، الطفولة، الشباب، ثمانين حولاً
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع