مدونة د حازم الشيخ الراوي


الخطاب الإلهي المباشر للمؤمنين الحلقة الخامسة عشر (التبين)

د حازم الشيخ الراوي | D.HAZIM AL SHEIKH ALRAWI


27/04/2022 القراءات: 831  



ورد التبين في كل من الآيتين94 من سورة النساء والآية 6 من سورة الحجرات من آيات الخطاب الالهي المباشر ففي الآية الاولى يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). أما في الآية الثانية فيقول عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
والتبين هو المصطلح المرادف للتأني والتريث والتأمل والتدقيق والتمحيص في اية معلومة أو قول، وهو التثبت من الشيء والتأني في الأمر وعدم التعجل في اصدار الاحكام قبل التأكد من صحتها، والتيقن من حقيقتها.
والتبين عادة ما يحصل بعد حدوث التباس وغموض في أمر ما، فينبغي أن يبحث الانسان عن صحة الخبر وعدم التعجل في نقله أو نشره. وهو واحدا من الأخلاق الحميدة التي أمر بها الله تعالى، وأكدت عليه سنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهو السبيل الأمثل للفصل بين الحق والباطل، وفيه تتحقق الحقوق، وتصان الدماء، ويقضى بالتبين على المناكفات والنزاعات بين الناس، كما تخمد بها الفتن التي تظهر من خلال الكذب والتزييف والتغليف والتحريف للحقائق ومن خلال الاشاعات المغرضة التي تجعلها تنتشر بسرعة بين الجهلة والعامة دون أن يتحققوا ويتبينوا حقيقة الأمر ومصدره.
وعموما فان الانسان بطبعه سماع للأخبار، ويركز على الغريب منها، وقد يصدق ما يسمعه، والأنكى من ذلك قد يلجأ الى نقل الخبر ويشيعه بين الناس حال سماعه دون تروي وتمحيص. وفي عصرنا الراهن قد زاد الطين بلة ما جاءت به وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا نتلقى الاخبار والمعلومات الغريبة بسرعة فائقة وتنتشر بذات السرعة، بل يتداولها العديد من الناس على اساس أنها حقيقة مسلم بها، وقد لا يكون لها أساس من الصحة، بل قد يكون مصدرها ومروجها جاء بها بقصد الاثارة أو خلق الفتن، أو أن يكون مروجها جاهل متخلف أراد اللعب في عقول الآخرين. والغريب في هذه الوسائل أنها قلبت معادلة (المعلومة لمن يحتاجها) الى أن (المعلومة أضحت للجميع). ولذا ففي زمننا هذا، زمن الفتن، الذي انتشر فيه الكذب والتزوير، واختلط الصدق بالكذب، والحق بالباطل، تزداد فيه أهمية التثبيت والتبين من المعلومة والحديث، فسماع الحديث دون تدبر، وتصديقه دون تبصر، ثم نشره واشاعته دون مبالاة لنتائجه، قد يفضي الى تحقيق البغض والكراهية والحقد بين الناس، بل قد يصل الى الظلم الخطير في القتل أو السجن أو التعذيب لأبرياء ليس لهم ذنب سوى عدم تدقيق الأخبار الواردة عنهم.
وقد حذر الله تعالى من هذه الظاهرة الخطرة في قوله تعالى في الآية 36 من سورة الاسراء (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). أي لا ترم أحدا بما ليس لك به علم ولا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم فإن الله سائلك عن ذلك كله.


المؤمنون .. العقيدة ..


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع