مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


ضحايا الإيجو، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


13/01/2022 القراءات: 2625  


ضحايا الإيجو
منذ أكثر من ثلاثين سنة كتبتُ مقالة في مجلة (الكويت) بعنوان: (النحنية) مشتقة من (نحن) أتهجم فيها على (الأنانية) وأنها نقيصة إنسانية مذمومة ومرفوضة في الإسلام بسبب أضرارها الكثيرة على الفرد والمجتمع، وأحثُّ على الإيثار، وأشجع على فعل الخير وعلى نكران الذات في سبيل نفع المجتمع والمصلحة العامة، فسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم حافلة بآلاف المواقف المشرفة والمشرقة بالتضحيات وحب الخير والإيثار.
أما الأنانية فجزء من الإيجو، والإيجو صورة وهمية تشكلت عن ذواتنا خلال فترة نموِّنا وهي (الذات المزيفة، والأنا أمام الناس)، والإيجو أيضاً يطلق على النفس الأمارة بالسوء، التي تريد التغلب على الإنسان وتدميره بسيطرتها على النفس المطمئنة.
ومن هنا كثير من الوعاظ يجاول في فكرة أنَّ (أنا) كلمة غير محمودة، تحت شعار (أعوذ بالله من كلمة أنا)، ويعدُّون ذلك من تعابير الشيطان حين قال إبليس {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [ص:76].
علماً أن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال في غزوة حنين ( السنة الثامنة من الهجرة): (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ) [رواه البخاري]، وبناء على هذا الحديث سألت أحد خطباء المساجد يوم الجمعة: ما كان عنوان خطيتك اليوم في المسجد؟ فقال: أنانية المصطفى صلى الله عليه وسلم..!
فما هو الإيجو؟
وكيف نوفق بين هذا وذاك؟
وما الفارق بين (الأنا) والإيجو؟
الإيجو (ego) كلمة تعني الرأي الذي يكوِّنه الضخص عن نفسه، أو كيف يرى الشخص نفسه.
بكل بساطة كلمة (الأنا) الذات الحقيقية، والإيجو الذات المزيفة.
فحينما تقول: أنا الأستاذ الدكتور فلان بن فلان صاحب الفيلا الفخمة، والسيارة الفارهة، فهذا هو عين الإيجو، أي الصورة المزيفة عن ذاتك الحقيقية. وإذا أردت أن تعرف ذاتك الحقيقية فتخيَّل نفسك (ميتاً) بلا ألقاب ولا أملاك ولا أوسمة ولا مظاهر، أنتَ ذاتك الشخص الذي سيقابل الباري رب العالمين.
فحينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ) فإنها كانت أنا الحقيقية (الصورة الحقيقة أمام الباري سبحانه وتعالى)، أي أنا عبد من عباد الله تعالى.
إن الإيجو يعمي ويصم، فيتيه الإنسان ويضل الطريق، ويدخل في دهاليز الانتقاد وكواليس التهكم على الآخرين، لذا جاء فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: (اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا، وَوَفِّقْنِي لِاتِّبَاعِهِ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا، وَوَفِّقْنِي لِاجْتِنَابِهِ).
والإيجو يعطي للأشياء صفة مادية بحتة، يجعلك تميل إلى التراب، ويبعدك عن الروح، وصاحب الإيجو دائماً كئيب وحزين ويعاني، لأنه دائماً يفكر بالأخذ لا بالعطاء، ويتذمَّر قائلاً: فلان لم يعطني كذا، وطلبت من فلان فرفض..
وإذا قال الأب لولده: لماذا فعلتَ كذا؟
أما تخشى من عيون الجيران؟
وكيف سينظر الناس إليك؟
فإن هذا الأب يزرع الإيجو في نفس ولده، لأنه يزرع في نفسه مراقبة الناس (الصورة المزيفة)، ولا يزرع في نفسه مراقبة الباري سبحانه (الصورة الحقيقية).
وهناك من لديه إيجو علمي، يبدأ يرى نفسه بالعلم الذي يحمله، ويعتقد نفسه أفضل وأعلى من الناس، فينظر إلى الآخرين من برج عاجي، ويحكم على الناس مسبقاً من خلال تصنيفهم.
والإيجو في الحياة الزوجية يجعل الزوج يتابع أداء زوجته بعين القاضي، ويجعل المرأة تخنق زوجها بروح المنتقم.
فالتوقف عن انتقاد أي شخص أو التهكم والسخرية منه؛ هو أول خطوة لتدمير الإيجو لديك، انسف الإيجو عندك تعش حياتك بسعادة، فالإيجو سجن وقيد يجعل الإنسان أسير المال والشهرة والسلطة والمصالح الخاصة، أما المساكين ضحايا الإيجو فتحسبهم أحراراً وهم عبيد..!


الإيجو، الأنانية، النحنية، التهكم، السخرية، التعالي، الذات الحقيقية، الذات المزيفة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


موضوع هام ومفيد سعادة أ. د. محمد محمود كالو