مدونة الحسن الكريمي


حالة الطوارئ الصحية وحقوق الإنسان

الحسن الكريمي | Elhassan KRIMI


02/06/2020 القراءات: 2447  


تُعرف حالة الطوارئ عموما بأنها ظرف استثنائي غير عاد، تفرضها الدولة عندما يتهدد أمنها الداخلي ونظامها العام، نتيجة خطر واقع بالفعل، كحالة حرب أو اضطرابات داخلية خطيرة أو انتشار وباء أو كوارث عامة، يجعل الدولة عاجزة عن مواجهته بقوانينها العادية، فتلجأ إلى اتخاذ إجراءات وقوانين استثنائية يترتب عنها تعطيل وتقييد بعض الحقوق والحريات.
ولا شك أن وباء كورونا الناتج عن الفيروس التاجي المستجد – كوفيد 19 – الذي ظهر أولا في ولاية وهان الصينية أواخر دجنبر 2019، والذي عرف انتشارا واسعا وسريعا، بسبب العدوى، في مختلف دول العالم؛ يشكل تهديدا للصحة العامة وحالة من حالات الطوارئ الصحية.
في الثلاثين من يناير 2020، ، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي الفيروس التاجي- كوفيد 19- "يصنّف كحالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً"، ثم أعلنت المنظمة أن هذا الفيروس قد صار جائحة عالمية في 11 مارس 2020، داعية دول العالم إلى ضرورة مواجهته ومحاصرة انتشاره.
وفي 23 أبريل 2020 جاء في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فيما يتعلق بحقوق الإنسان في سياق التصدي لجائحة كوفيد-19: "إن جائحة كوفيد-19 ليست حالة من حالات الطوارئ في مجال الصحة العامة فحسب، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إنها أزمة اقتصادية، وأزمة اجتماعية، وأزمة إنسانية أخذت تتحول بسرعة إلى أزمة لحقوق الإنسان".
لذلك أعلنت العديد من دول العالم فرض حالة طوارئ صحية تروم بالأساس حماية الصحة العامة، والحد من انتشار هذا الوباء، رغم تعارضها مع العديد من الحقوق والحريات الأساسية.
إن حالة الطوارئ تجد مرجعيتها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، فقد أجازت الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه للدول في الظروف الاستثنائية الإعلان رسميا وبشكل قانوني عن حالة الطوارئ، شريطة أن يحدد القانون بدقة الحالات التي يعلن فيها عن قيام حالة طوارئ و الطابع الاستثنائي الذي يتسم به تعطيل الحقوق و الحريات الذي ينبغي أن يقتصر على أضيق الحدود الزمانية والمكانية التي يتطلبها الوضع. كما يجب أن يكون الغرض من إعلان حالة الطوارئ هو التمكن من العودة إلى الأوضاع الطبيعية ، أي استعادة النظام السياسي إلى وضعه العادي الذي يمكن فيه ضمان حقوق الإنسان بالكامل مجددا.
ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وعلى الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 ، لا سيما الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه ، يجب على الدول التي تعلن حالة الطوارئ عدم تعليق الحقوق غير القابلة للتقييد وهي : الحق في الحياة و تحريم ممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو الإخضاع للتجارب الطبية أو العلمية دون الموافقة و حظر الرق والاتجار بالرقيق والعبودية و حظر اعتقال أي شخص لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي و مبدأ المساواة في مجال القانون الجنائي، أي اشتراط أن يقتصر الاستناد في تقرير كل من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة والعقاب عليها على أحكام واضحة ودقيقة في القانون الذي كان موجوداً وساري المفعول وقت حدوث الفعل أو الامتناع عنه، باستثناء الحالات التي يصدر فيها قانون ينص على عقوبة أخف ، و لكل إنسان الحق بأن يعترف لـه بالشخصية القانونية ، وحرية الرأي والعقيدة .
و مما سبق ، فإن حالة الطوارئ الصحية باعتبارها إحدى الحالات الواردة ضمن نظرية الظروف الاستثنائية، أجازها القانون الدولي لحقوق الانسان وفقط شروط معينة، لمواجهة الأخطار الحالة و الجسيمة التي تواجهها الدولة، بموجبها يحق للسلطة التنفيذية تجميد الأحكام الدستورية والتشريعية العادية بشكل مؤقت ، و تقييد و تعطيل حقوق الأفراد وحرياتهم ، باستثناء بعض الحقوق و الحريات المشار إليها أعلاه .


فقه-قانون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع